يجوز أن يصيرا بناء مشيدا من غير بان وكما لا يجوز صانع لا صنع له لا يجوز صنع لا من صانع وقد نبهنا الله تعالى في غير موضع من كتابه العزيز على ما ذكرناه من العبر فقال عز وجل ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيى به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون وإن قال قائل ومن لكم بأن أثر الصنع موجود في السماوات والأرض قال الحليمي رحمه الله تعالى قيل له إن السماء جسم محدود متناه والمحدود المتناهي لا يجوز أن يكون قديما لأن القديم هو الموجود الذي لا سبب لوجوده وما لا سبب لوجوده فلا جائز أن يكون له نهاية لأنه لا يكون وجوده إلى تلك النهاية أولى به من وجوده دونها أو وراءها لأن المتناهي لا يكون خالص الوجود لأنه إلى نهايته يكون موجودا ثم يكون وراء نهايته معدوما والقديم لا يعدم فصح أن المتناهي لا يجوز أن يكون قديما والسماء متناهية فثبت أنها ليست بقديم فإن قيل وما الدليل على أنها متناهية قيل الدليل على أنها متناهية عيانا من الجهة التي تلينا فدل ذلك على أنها متناهية من الجهات التي نراها ولا نشاهدها لأن تناهيها من هذه الجهة قد أوجب أن لا يكون ما يلينا منها قديما موجودا إلا لسبب فصح أن ما لا يلينا منها فهي كذلك أيضا لأنه لا يجوز أن يكون شيء واحد بعضه قديم وبعضه غير قديم وأيضا فإن السماء جسم ذو أجزاء وكل جزء منه محدود متناه فدل ذلك