الحديثان ، انظر الخطابي في " المعالم " ، والمناوي في " الفيض " ، وقال ابن القيم في " تهذيب السنن " ( 6 / 103 ) : " والصواب أن الأحاديث في هذا الباب لا اختلاف بينها بوجه ، فإن الذي نهى عنه الرسول ( ص ) من تغيير الشيب أمران : أحدهما : نتفه . والثاني : خضابه بالسواد كما تقدم . والذي أذن فيه هو صبغه وتغييره بغير السواد كالحناء والصفرة ، وهو الذي عمله الصحابة رضي الله عنهم " . قال : " وأما الخضاب بالسواد فكرهه جماعة من أهل العلم ، وهو الصواب بلا ريب لما تقدم ، وقيل للإمام أحمد : تكره الخضاب بالسواد ؟ قال : إي والله . ورخص فيه آخرون ، ومنهم أصحاب أبي حنيفة ، وروي ذلك عن الحسن والحسين ، وفي ثبوته عنهم نظر ، ولو ثبت فلا قول لأحد مع رسول الله ( ص ) ، وسنته أحق بالاتباع ، ولو خالفها من خالفها " . قلت : وللأحاديث المتقدمة في الحض على الخضاب كثر اشتغال السلف بهذه السنة ، فترى المؤرخين في التراجم لهم يقولون : " وكان يخضب " ، و " كان لا يخضب " ، ولا تزال هذه السنة معمولا بها في بعض البلاد الإسلامية ، ولا سيما التي لم تتأثر كثيرا بالمدنية الغربية ، وعاداتها السيئة . والحق أنها سنة ثابتة مستمرة ، وقد جرى عمل السلف عليها - كما تقدم - وتواردت الأحاديث في الحض على العمل بها ، فلا يجوز للمسلمين أن يحدثوا عرفا مخالفا لها ، ولا سيما مع بقاء علة الخضاب المنصوص عليها في حديث الجماعة : " ان اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم " . وهو مخرج في " غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام " ( 104 ) . ولذلك فإنا نقطع بأن ما ذهب إليه المؤلف من رجوع أمر الخضاب إلى