ولا يظهرون قناعة ويلحون في السؤال ثم يعطون كل شئ حصل بأيديهم لمن هو محتاج إليه ولا يذوقون منه شيئا . فإياك يا أخي والمبادرة بالإنكار عليهم . وبعضهم يجمع من الدنيا عنده حتى لا تستشرف نفسه لما في أيدي الناس أو يقف لهم على باب وكان على ذلك سفيان الثوري رضي الله تعالى عنه . وسمعت سيدي عليا الخواص رضي الله تعالى عنه يقول : إذا ضاق على فقير أمر معيشته فليسأل الله تعالى في تيسير رزق حلال مما قسمه الله تعالى له ، ولا يعين جهة ، ليكون ذلك معدودا من جملة الرزق الذي لا يحتسبه ، فإن كان شئ جاء باستشراف نفس فهو غير مبارك فيه ، كما صرحت به الشريعة ثم نقل عن الشبلي أنه كان إذا جاع مد يده وسأل الله تعالى ، وقال هذا كسب يميني . وسمعت أخي أفضل الدين رحمه الله تعالى يقول : لا ينبغي لفقير أن يأكل مما وعده به أحد ، لأن نفسه تصير متشوقة إليه حتى يحضر . وجاءه مرة إنسان وقال قد خرجت لكم عن قنطار عنب فأرسل معي أحدا يحمله فأبى وقال لا نحب أن نأكل إلا ما لم يكن في حسابنا ، فإذا خرجت بعد ذلك عن شئ للفقراء فلا تعلمهم به قبل حضوره إن طلبت أنهم يأكلون منه . وبلغنا عن إبراهيم أنه فقد الحلال فسف من التراب مدة أربعين يوما حتى وجد الحلال اللائق بحاله ومقامه . وسمعت أخي أفضل الدين رحمه الله تعالى يقول : ينبغي لكل مؤمن في هذا الزمان إذا حضر عنده طعام أو شراب أن لا يأكل منه حتى يقول بتوجه تام : اللهم إن كان في هذا الطعام شبهة حرام فاحمني منه ، وإن لم تحمني منه فلا تجعله يقيم في بطني ، وإن جعلته يقيم في بطني فاحفظني من المعاصي الناشئة من أكله ، فإن لم تحفظني منها فمن علي بالتوبة النصوح ، فإن لم تمن علي بالتوبة فالطف بي ، ولا تؤاخذني يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين . وكان يقول : لا ينبغي لفقير السؤال حتى يبيع آلات الدار الزائدة على الضرورة كالطراحة والمخدة والعمامة الزائدة والثوب الزائد والأواني كلهم حتى نعله الزائد . وكان يقول لا ينبغي لفقير في هذا الزمان إذا وجد الحلال الصرف أن يشبع منه ، بل يأكل بقدر سد الرمق فقط خوفا أن يقع في الحرام .