هذا العهد يخل به كثير من الناس في هذا الزمان حتى لا يكاد الإنسان يرى متعففا ولا قانعا ولا متورعا في اللقمة أبدا بل غالب الفقراء يقولون وخلق لكم وغيرهم ، يقول هات لنا ولا تفتش ، وبعضهم يقول الحرام علينا هو ما لم تصل يدنا إليه ، وهذا كلام لا يجوز لمؤمن أن يتلفظ به لئلا يسمعه بعض العوام فيتبعه على ذلك . ومن هنا قال العارفون : يجب على من لم يكن لديه ورع أن يتفعل في التورع ، فإن لم يكن له نية صالحة في الورع فربما صلحت نية من يتبعه في الورع ، وقالوا أيضا : يجب على العالم إذا لم يعمل بعلمه أن يعمله لمن يعمل به . وقالوا إذا رأيت عالما لا يعمل بعلمه فاعمل أنت به يحصل لك وله الخير . " " والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " " . ثم لا يخفى أن من أقبح الصفات عدم تعفف العالم والصالح وطلبهما من الولاة جوالي أو مسموحا أو مرتبا على بساط السلطان ، ثم يطلبان بعد ذلك تمشية شفاعتهم عندهم في أمور المسلمين ، وهذا أمر لا يتم لهم ، فإن شرط الشافع العفة والورع عما بأيدي الولاة فإنهم إذا رأوه زاهدا فيما رغب فيه ملوكهم فضلا عنهم عظموه ضرورة وأحبوه وقبلوا شفاعته وتبركوا به ، وقد كثر طلب الدنيا من طائفة الفقراء وغيرهم وصاروا يسافرون من نحو مصر إلى بلاد الروم والعجم ويتعللون بضيق المعاش ، وربما يكون أحدهم كاذبا ، لأن عنده في بلده ما يكفيه الكفاية اللائقة بأمثاله ، وكان من الأدب لكل من عمل رئيسا في الناس أن يرد جميع ما يعرضه عليه أعوان الظلمة والسلطان ، ويقول لهم : أعطوه لمن هو أنفع مني للمسلمين من الجند الذين يسافرون في التجاريد ونحوهم ، فأما أنا فجالس أذكر الله تعالى في زاويتي أو أشتغل بعلم ما أحد يعمل به ، والأمر في زيادة من حيث قلة العمل بالعلم فكيف أزاحم عسكر السلطان على ماله . فاسلك يا أخي طريق الفقراء والعلماء الذين مضوا ولا تتبع أهل زمانك تهلك . وقد بلغنا عن أبي إسحاق الشيرازي أنه كانت تعرض عليه الأموال فيردها ، مع أن القمل سائح على وجهه ورأسه ولحيته ، وعليه فروة كباشية ؟ ؟ ، وكان يتغذى بماء الباقلا فيفت الكسرة اليابسة ويغمسها بماء الفول رضي الله تعالى عنه فاعلم ذلك . وسمعت أخي أفضل الدين رحمه الله تعالى يقول : لله تعالى رجال يجمعون المال