بنقل الناقل أن يعلم منه حرص على الدنيا وتهافت على الاتصال بالملوك ونيل المكانة والحظوة عندهم - فإن من كان بهذه الصفة لم يؤمن عليه التغيير والتبديل والافتعال للحديث والكذب حرصا على مكسب يحصل عليه [1] . وقد نبه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على نحو هذا الذي ذكرنا بقوله : إن الأحاديث ستكثر بعدي كما كثرت عن الأنبياء قبلي ، فما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله تعالى فما وافقه كتاب الله فهو عني قلته أو لم أقله .
وقد روي أن قوما من الفرس واليهود [2] وغيرهم لما رأوا الإسلام قد ظهر وعم ودوخ وأذل جميع الأمم ، ورأوا أنه لا سبيل إلى مناصبته ، رجعوا إلى الحيلة والمكيدة فأظهروا الإسلام من غير رغبة فيه ، وأخذوا أنفسهم بالتعبد والتقشف ، فلما حمد الناس طريقتهم ولدوا الأحاديث والمقالات ، وفرقوا الناس فرقا . . .
وإذا كان عمر بن الخطاب يتشدد في الحديث ويتوعد عليه والزمان زمان ، والصحابة متوافرون ، والبدع لم تظهر ، والناس في القرن الذي أثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما ظنك بالحال في الأزمنة التي ذمها ! وقد كثرت البدع وقلت الأمانة . . .
العلة الثانية وهي نقل الحديث على المعنى دون اللفظ بعينه - وهذا الباب يعظم الغلط فيه جدا . وقد نشأت منه بين الناس شغوب شنيعة ، وذاك أن أكثر المحدثين لا يراعون ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم التي نطق بها ، وإنما ينقلون إلى من بعدهم معنى ما أراده بألفاظ أخرى ، ولذلك نجد الحديث الواحد في المعنى الواحد يرد بألفاظ شتى ، ولغات مختلفة ، يزيد بعض ألفاظها على بعض .
على أن اختلاف ألفاظ الحديث قد تعرض من أجل تكرير النبي ( صلى الله عليه وسلم ) له في مجالس عدة مختلفة وما كان من الحديث بهذه الصفة فليس