الحديث من المتأخرين ، وكم من رجل من متكلمي القدماء أعرف بالأثر من مشيخة زماننا إلخ [1] .
هذه هي أقوال أئمة الحديث فيما كانت عليه حالة المحدثين في القرنين الخامس والثامن من الهجرة ، فترى ماذا تكون حال كثيرين من الذين يزعمون اليوم أنهم من المحدثين ، ومبلغ علمهم أنهم قرأوا بعض كتب الحديث واستظهروا عددا مما فيها وهذا وحده لا يكفي لأن يكون الإنسان به عالما ينتفع بعلمه ، أو يطمئن الناس إلى ما يقوله أو يفتي به .
ورحم الله أستاذنا الإمام محمد عبده حيث قال - في رجل وصفوه بأنه قد جد واجتهد ، حتى بلغ ما لم يبلغه أحد - فحفظ متن البخاري كله - : " لقد زادت نسخة في البلد . . " حقا والله ما قال الإمام . أي أن قيمة هذا الرجل - الذي أعجب الناس جميعا به لأنه حفظ البخاري - لا تزيد على قيمة نسخة من كتاب البخاري لا تتحرك ولا تعي !
والذهبي الذي نقلناه عنه هذا الكلام القيم هو المحدث الكبير مؤرخ الإسلام قال فيه العلامة الصفدي فيه كتابه " نكت الهميان " ، اجتمعت به ، وأخذت عنه وقرأت عليه كثيرا من تصانيفه ولم أجد عنده جمود المحدثين ولا كودنة النقلة [2] ولم يقل الصفدي ذلك إلا لما اشتهر بين الناس جميعا من جمود رجال الحديث ، وقد وصفهم كذلك الأستاذ الإمام بضيق العطن وحرج الصدر في رسالة الإسلام والنصرانية [3] .
وإذا كان الصفدي قد قال ذلك في شيخه لكي يبرئه من نقيصة الجمود الذي عرف بها الذين يشتغلون بالحديث ، فإن شيخه الذهبي نفسه قد قال فيهم ما ننقله من كتابه النفيس " سير أعلام النبلاء " في ترجمة الفقيه المحدث شيخ الإسلام أبي بكر بن عياش :