كان هؤلاء هم أولى الناس بأن يؤثرهم النبي بما لا يريد أن يظهره لأحد من سائر أصحابه ، وإذا كان هناك أمر يريد أن يسره لأحد من خواصه .
ومن هو أبو هريرة حتى يؤثره النبي بشئ يخصه به ويكتمه ويخفيه عن أصفيائه وأحبابه وأقرب الناس إليه ؟ ! إنه لم يكن له أي فضل يدنو به إلى النبي - ولا عد بعد انتقال الرسول إلى الرفيق الأعلى من أية طبقة [1] من طبقات الصحابة ، فلا هو من السابقين الأولين ولا من المهاجرين ، ولا من الأنصار ، ولا من المجاهدين بأموالهم أو بأنفسهم [2] ولا في النقباء ، ولا من العرفاء ، ولا من الكملة في الجاهلية وأول الإسلام ، ولا من شعراء النبي الذين نافحوا عنه ولا من المفتين ، ولا من القراء - الذين حفظوا القرآن - ولا جاء في فضله حديث عن الرسول [3] ، وكل ما عرف عنه أنه كان من أهل الصفة لا أكثر ولا أقل !
تشيع أبي هريرة لبني أمية :
علمت مما كشفناه لك من تاريخ أبي هريرة أنه لم يصاحب النبي إلا على ملء بطنه ، كما ذكر هو مرارا عن نفسه ، وأنه قد اتخذ الصفة ملاذا له لفقره ، يأكل فيها كما يأكل سائر أهلها ، أو يأكل عند النبي أو عند أحد أصحابه .
ومن كان هذا شأنه لا يكون ولا جرم إلا من عامة الصحابة لا شأن له ولا خطر ، وقد ظل على ذلك زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر - ثم أخذ يظهر في زمن عثمان بعد انزوائه ، ويبدو للناس بعد خفائه .