ولما شبت نار الحزب بين علي رضي الله عنه وبين معاوية ، وإن شئت فقل لما انبعث الصراع بين الأموية والهاشمية [1] بعد أن توارى - فرقا من القوة - في زمن النبي وخليفتيه أبي بكر وعمر ، وانقسم المسلمون فرقا اتجه أبو هريرة إلى الناحية التي يميل إليها طبعه ، وتتفق مع هوى نفس - وهي ناحية معاوية - إذ كانت تملك من أسباب السلطان والترف والمال والنعيم ما لم تملك ناحية على التي ليس فيها إلا الفقر والجوع والزهد - وليس بغريب على من نشأ نشأة أبي هريرة وعاش عيشته ، أن يتنكب الطريق التي تؤدي إلى علي ، وأن يتخذ سبيله إلى معاوية ليشبع نهمه من ألوان موائده الشهية ، ويقضي وطره من رفده وصلاته وعطاياه السنية .
وإذا كان قد بلغ من فاقة أبي هريرة وجوعه أن يخر مغشيا عليه [2] ، فيضع الناس أرجلهم على عنقه ! فهل تراه يدع دولة بني أمية ذات السلطان العريض والأطعمة الناعمة ، وينقلب إلى علي الزاهد الفقير الذي كان طعامه القديد ؟
إن هذا لمما تأباه الطباع الإنسانية ، ولا يتفق والغرائز النفسية ! اللهم إلا من عصم ربك ، وقليل ما هم .
ولقد عرف بنو أمية صنيعه معهم ، وقدروا موالاته لهم ، فأغدقوا عليه من أفضالهم ، وغمروه برفدهم وأعطيتهم ! فلم يلبث أن تحول حاله من ضيق إلى سعة ، ومن شظف العيش إلى دعة ، ومن فقر إلى ثراء ، وبعد أن كان يستر جسمه بنمرة بالية [3] صار يلبس الخز والكتان الممشق [4] .
ولقد كانت أول لفتة من عين الأمويين إلى أبي هريرة لقاء مناصرته إياهم أن