إلى هنا ينتهي ما نقلناه من كتاب البطليوسي عن الخلاف العارض بين المسلمين من جهة الرواية ، ونعود إلى العلامة الجزائري الذي وقف ينتظرنا لكي يسمعنا ما بقي من كلامه عن ضرر رواية الحديث بالمعني فإذا به يقول :
واعلم أن الرواية بالمعنى قد أحس بضررها كثير من العلماء وشكوا منها على اختلاف علومهم ، غير أن معظم ضررها كان في الحديث والفقه لعظم أمرهما .
وقد نسب لكثير من العلماء الأعلام أقوال بعيدة عن السداد جدا اتخذها كثير من خصومهم ذريعة للطعن فيهم والإزراء بهم ، ثم تبين بين البحث الشديد والتتبع أنهم لم يقولوا بها ، وإنما نشأت نسبتها إليهم من أقوال رواها الراوي عنهم بالمعنى ، فقصر في التعبير عما قالوه فكان من ذلك ما كان .
هذا وقد تعرض العلامة النحرير نجم الدين أحمد بن حمدان الحراني الحنبلي للضرر الذي نشأ من الرواية بالمعنى في مذهبه فقال في آخر كتاب " صفة المفتي " في باب جعله لبيان عيوب التأليف وغير ذلك ليعرف المفتي كيف يتصرف في المنقول ويقف على مراد القائل بما يقول ، ليصح نقله للمذهب وعزوه إلى الإمام أو إلى بعض من إليه ينسب .
" اعلم أن أعظم المحاذير في التأليف النقلي إهمال نقل الألفاظ بأعيانها والاكتفاء بنقل المعاني مع قصور الناقل عن استيفاء مراد المتكلم الأول بلفظه ، وربما كانت بقية الأسباب مفرعة عنه ، لأن القطع بحصول مراد المتكلم بكلامه ، أو الكاتب بكتابته مع ثقة الراوي ، تتوقف على انتفاء الاضمار والتخصيص والنسخ ، والتقديم والتأخير ، والاشتراك والتجوز والتقدير ، والنقل ، والمعارض العقلي ، فكل نقل لا يؤمن معه حصول بعض الأسباب ، لا نقطع بانتفائها نحن ولا الناقل ، ولا نظن عدمها ، ولا قرينة تنفيها ولا نجزم فيه بمراد المتكلم ، بل ربما ظنناه أو توهمناه - ولو نقل لفظه بعينه وقرائنه وتأريخه وأسبابه [1] انتفى هذا المحذور أو أكثره ، وهذا من حيث الإجمال ، وإنما يحصل الظن به حينئذ بنقل المتحري ، فيعذر تارة لدعوى الحاجة إلى التصرف لأسباب ظاهرة ، ويكفي ذلك في الأمور الظنية وأكثر المسائل