فمن كان يرى العمل بأخبار الآحاد - بعد تواجد شروط العمل بها - لا بدّ أن يلتزم في فتياه بمضامينها ، معتمداً عليها ومستنداً إليها .
أمّا الذي لا يرى العمل بها فلا غضاضة عليه في تركها ، ولكن ليس من حقه أن يشنها حرباً شعواء على من يرى حجيتها وهو معذور في فتياه بمضامينها ، ما دام اختلاف المباني هو الأساس في ذلك ، وما ذكره المصنّف في خاتمة مقدمة كتابه السرائر من عذر في ذلك ، فقد رضيه لنفسه مبرراً ، وربما قبله آخرون لولا عنفه في النقد وشدته في التمحيص ، الأمر الذي فتح عليه باب النقد ، فإنّه تحدّى المشاعر ، وهزّ برج القداسة الراسخ ، لذلك فلم يسلم من النقد والتثريب ، فاستهدفته أعلام وأقلام .
ولو انّه تهادى في نقده ، وجادل بالتي هي أحسن ، لأنصفه خصومه ، ولوجدوا في عمله ذلك إيذاناً حسناً في بعث الحركة العلمية الراكدة ، نحو النمو والنشاط ، وتجديداً عملياً بمثابرة وطموح في سبيل بلوغ المستوى الأفضل ، ولكان يعدّ ذلك من مفاخره في ريادة فتح الطريق ، وكسر طوق الجمود ، الذي ربما أدّى إلى سد باب الاجتهاد كما هو عند بقية المذاهب الأخرى .
ولكنّه جاوز الحد في نقده ، حتى اعتبر أنّ العمل بأخبار الآحاد خلاف مذهب أهل البيت ( ؟ ولا غرابة في اعتباره ذلك بعد أن سبق منه أن تساءل مستنكراً عن أخبار الآحاد فقال : فهل هدم الإسلام إلا هي ؟ ! وحيث لم يكن متزمتاً في تفكيره كغيره من الفقهاء ، وكان ذا تفكير يزينه التجدد والابتكار ، فقد حمل بغير هوادة على معاصريه الذين وافقوا الشيخ الطوسي في هذه المسألة نتيجة لإجتهادهم فاعتبرهم مقلدة ، وعبّر عنهم بما لا يليق وكرامة الجدل العلمي