( ( انّه ليس لمن أتى في زماننا هذا بمعنى غريب ، وأوضح عن قول معيب ، ورد شاردة خاطر عبر مصيب ، عند هؤلاء الأغمار الأغفال ، وذوي النذالة والسفال ، إلا انّه متأخّر محدث ، وهل هذا لو عقلوا إلا فضيلة له ، ونبهة عليه ، لأنّه جاء في زمان تعتم الخواطر وتصدّي الأذهان ) ) .
فمن ذا الذي يقرأ له هذا الكلام ، ثم يمرّ عليه بسلام ، ألم يكن فيهم من العلماء الأعلام ، ولا أقلّ شيوخه الكرام ، انّها لقسوة وجناه منها الجفوة ، ولا أريد أن أستبق ما سيأتي من تحامل عليه بسبب أقواله ، فعدم الترحيب بها ، بل وردّها سيأتي في محاله .
على أنا لا نبخسه فضله ، حين نقرأ قوله ، إذ يجنبنّا عذله ، فقد قال في آخر السرائر وهو يختم كتابه :
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب : إلى هاهنا يحسن الانقطاع ، ويذعن بالتوبة والإقلاع من زلل إن كان فيه أو خلل ، ونقسم بالله تعالى على من تأمّله أن لا يقلدنا في شيء منه ، بل ينظر في كلّ شيء منه نظر المستفتح المبتدي ، مطرّحاً للأهواء المزيّنة للباطل بزينة الحق ، وحبّ المنشي والتقليد ، فداؤهما لا يحسن علاجه جالينوس ، وتعظيم الكبراء وتقليد الأسلاف ، والانس بما لا يعرف الإنسان غيره يحتاج إلى علاج شديد ، وقد قال الخليل بن أحمد العروضي رحمه الله : الإنسان لا يعرف خطأ معلّمه حتى يجالس غيره ، فالعاقل يكون غرضه الوصول إلى الحق من طريقه ، والظفر به من وجهه وتحقيقه ، ولا يكون غرضه نصرة الرجال ، فإنّ الذين ينحون هذا النحو ، قد خسروا ما ربحه المقلّد من الراحة والدعة ، ولم يسلموا من هجنة التقليد ، وفقد الثقة بهم ، فهم لذلك أسوء حالاً من المصرّح بالتقليد ، وبئست الحال حال من أهمل دينه ، وشغل معظم دهره في نصرة غيره لا في طلب الحق ومعرفته ، ولا ينبغي لمن استدرك على من سلف