أو سبق إلى بعض الأشياء أن يرى لنفسه الفضل عليهم ، لأنّهم إنّما زلّوا حيث زلّوا ، لأجل أنّهم كدّوا أفكارهم ، وشغلوا زمانهم في غيره ، ثم صاروا إلى الشيء الذي زلّوا فيه بقلوب قد كلّت ، ونفوس قد سئمت ، وأوقات ضيّقة ، ومن جاء بعدهم فقد استفاد منهم ما استخرجوه ، ووقف على ما أظهروه من غير كدّ ولا كلفة ، وحصلت له بذلك رياضة واكتسب قوّة ، فليس بعجيب إذا صار إلى حيث زلّ فيه من تقدّم ، وهو موفور القوى ، متسع الزمان ، لم يلحقه ملل ، ولا خامره ضجر ، أن يلحظ ما لم يلحظوه ، ويتأمل ما لم يتأملوه ، ولذلك زاد المتأخّرون على المتقدّمين ، ولهذا كثرت العلوم بكثرة الرجال واتصال الزمان ، وامتداد الآمال ، فربما لم يشبع القول في المسألة المتقدّمة على ما أورده المتأخّر وإن كان بحمد الله بهم يقتدى ، وعلى أمثلتهم يحتذى [1] .
ومع ذلك كلّه سيبقى الشيخ ابن إدريس صاحب المدرسة النقدية للتراث الفقهي الشيعي ، والمجدّد ذو الرأي السديد في مسألة الاجتهاد والتقليد ، ولولاه كادت المدرسة الفقهية الشيعية تغلق أبوابها ، حين عكفت على آراء القدماء خصوصاً الشيخ الطوسي التي رأت النهاية في كتابه النهاية ، وسيأتي الحديث عن ذلك بتفصيل أوفى إن شاء الله تعالى .
وفاته مدفنه عقبه :
جاء في وفيات العلماء للكفعمي : يقول ولده - ولد المصنّف - صالح :
توفي والدي محمّد بن إدريس يوم الجمعة وقت الظهر ثامن عشر شوال سنة ثمانية وتسعين وخمسمائة .