ونعود إلى التعقيب على تأثير الأحداث والمناحي الفكرية في ابن إدريس فنقول :
فيا هل ترى ألا تؤثّر هذه الأحداث في الحياة العامة وأبنائها والمصنف منهم وهو هو في ذكائه وألمعيته ؟ ! وهي هي في آثارها ودمارها ؟ !
ولم تكن تلك الأحداث وحدها هي الظاهرة الوحيدة التي نتوخّى أثرها في أبناء ذلك العصر ومنهم المصنّف ، بل ثمة ظروف سياسية أخرى وعوامل خاصة بالمجتمع الحلي والمجتمعات الإسلامية يومئذٍ ، ساهمت وساعدت على تكوين التوثّب الفكري إلى حد الثورة .
فكان من نتائج ذلك التوثب تميز أفراد من أبناء ذلك القرن بشاراتٍ علمية خلّدت أسماءهم ، وفرضت وجودهم في التاريخ ، وقد عاصرهم المصنّف ، وهم خلق كثير ، نشير إلى بعضهم :
كالسمعاني المتوفى سنة 562 ، وملك المنحاة المتوفى سنة 568 ، والحافظ أبي العلاء العطار المتوفى سنة 569 ، وابن عساكر المتوفى سنة 571 ، وابن العصّار الرقي المتوفى سنة 576 - وقد كاتبه المصنّف ويعدّ من شيوخه - وأبي البركات الأنباري المتوفى سنة 577 ، وابن رشد الفيلسوف المتوفى سنة 595 ، وأخيراً العماد الأصبهاني الكاتب المتوفى سنة 597 ، وابن الجوزي المتوفى سنة 597 ، فانّ بين هذه المجموعة من التنافر الذي يطفح بالتعصب المذهبي ما يشوّه صفحة ذلك القرن ، فمثلاً انّ ابن الجوزي لشدّة تعصّبه الحنبلي الواضح في كتابه المنتظم يتهم معاصره السمعاني الشافعي بالتعصب ويستعيذ بالله منه [1] .
كما أنّ المصنّف عاصر جملة من الشعراء اللامعين حليّين وغير حليّين ، فمن الحليين : ابن حميدة النحوي المتوفى سنة 550 ، وشميم النحوي المتوفى