وكثير من ترجم مالكاً تغاضوا عمداً أو عن غير عمد عن ذكر سبب طلبه الحديث ، وانّه كان يروم أن يكون مغنياً لكن أُمه نهته لأنّه كان مجدّراً وقبيح الوجه ، وأشارت عليه بطلب الحديث ، وكأنّ طلب الحديث ملفى ذوي العاهات ، فطلب الحديث ، وبقيت نفسه تنازعه إلى الغناء .
فقد روى أبو الفرج في الأغاني [1] بسنده عن حسين بن دحمان الأشقر قال : كنت بالمدينة فخلالي الطريق وسط النهار فجعلت أتغنى :
ما بال أهلك يا رباب * خزراً كأنهم غضاب قال : فإذا خوخة قد فتحت وإذا وجه قد بدا تتبعه لحية حمراء فقال : يا فاسق أسأت التأدية ، ومنعت القائلة يعني من نام القيلولة وأذعت الفاحشة ، ثم اندفع يغنّيه ، فظننت أن طويساً قد نشر بعينه ، فقلت : أصلحك الله من أين لك هذا الغناء ؟ فقال : نشأت وأنا غلام حدث أتبع المغنّين وآخذ عنهم ، فقالت أمي : يابُني إن المغني إذا كان قبيح الوجه لم يلتفت إلى غنائه ، فدع الغناء واطلب الفقه ، فإنه لا يضر معه قبح الوجه ، فتركت المغنّين واتبعت الفقهاء ، فبلغ الله عز وجل ما ترى ، فقلت له : فأعد جعلت فداك ، قال : لا ولا كرامة ، أتريد أن تقول أخذته عن مالك بن أنس ، وإذا هو مالك بن أنس ولم أعلم .
أقول : ونحو هذا الخبر نماذج من غناء مالك مذكورة في الأغاني راجع ج 2 / 75 ط الساسي ، ومهما شككنا في أخبار الأغاني أو قلنا إنها تحكي أيام الصبا ، وربما كانت نزوة من رواسب الشباب ، فهل نشك فيما رواه الخطيب البغدادي في تاريخه ج 6 / 84 بسنده من حديث إبراهيم بن سعد الزهري مع