قال النووي : إمام دار الهجرة شيخ الإسلام ، رأس المتقنين وكبير المفتين ، وساق له ترجمة طويلة أُسوة بغيره لمن ترجمه ، ولم تخل تلك التراجم من مزايدات مناقبية ، حتى ذكروا حديثاً رواه الترمذي وحسّنه من حديث أبي هريرة مرفوعاً : ( يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أحداً أعلم من عالم المدينة ) .
وقد روى ابن عيينة انّه مالك بن أنس ، وكذا قال ابن جريج وعبد الرزاق ( ؟ ! ) وتصاعدت حمى المناقبية حتى قال الشافعي : ( ما في الأرض كتاب في العلم أكثر صواباً من ( موطّأ ) مالك ) .
وفي تذكرة الحفّاظ للذهبي قال : قد كنت أفردت ترجمة مالك في جزء وطولتها في تاريخي الكبير [1] .
ولغير الذهبي فيه كتب خاصة وفي جميعها تجد الغلو والمبالغة ، شأنهم فيمن يغلبهم الهوى فتعشوا الأبصار عن بعض الحقائق ، نحو ما رواه الذهبي عن أشهب بن عبد العزيز قال : رأيت أبا حنيفة بين يدي مالك كالصبي بين يدي أبيه - ثم قال الذهبي - قلت : فهذا يدلّ على حسن أدب أبي حنيفة ، وتواضعه مع كونه أسنّ من مالك بثلاث عشرة سنة .
أقول : ولما كانت هذه الحكاية غير صحيحة ، فقد علّق عليها المعلمي محقق التذكرة فقال : هذه الحكاية خطأ وإنّ أبا حنيفة توفي وأشهب صبي له نحو خمس سنين ، فإن صحّ السند فلعل الصواب : ( رأيت محمّد بن الحسن صاحب أبي حنيفة ) [2] .