بشيء عن تلك البيئة التي عاش فيها المصنّف أيام نشأته ، حيث نظن قويّاً أنّ عوامل البيئة وأحداث العصر تترك في نفس الناشئ آثارها الحسنة والسيئة ، وقد تبدو في تصرّفاته وسلوكه دلالات على ذلك .
اذن فلنتعرّف على :
بيئته وعصره :
إنّ الحلة وهي طيّبة التربة ، معتدلة الهواء ، عذبة الماء ، ذات طبيعة بهجة ، وهي إلى جانب ذلك وارثة الحضارة والمدنية البابلية ، فكان لجميع ذلك أثر في صفاء الخاطر وحدة الذهن واعتدال المزاج عند أبنائها كصفة عامة .
ولما كان المصنّف أحد أبناء الحلّة الفيحاء فقد ولد فيها ، ونشأ بين أهلها وعاش آثارها وأخبارها ، فليس من المستبعد أن يكون لتلك البيئة المكانية أثرها في صفاء خاطره وتوقّد ذكائه ، وإذا راعينا سلوكيته ونبوغه المبكّر ، ندرك أنّه كان في نشأته من النابهين الممتازين بالاستعداد في التلقي وطلب العلم وسط ذلك المحيط الزاخر بالعلماء وأولي الفضل والمعرفة .
أمّا عصر المصنّف حيث كان القرن السادس الهجري ، فهو يمثّل مرحلة وسطاً بين عصور الازدهار والانحطاط ، فهو كما يمتاز بالطموح وتوثّب الأحاسيس ، حتى بلغ عند بعض الذوات حد الانفلات والمروق عن الجادة الوسطى أو كاد ، فكذلك تميز بأحداث كونية جسام ، وجملة تطوّرات ومفارقات في المجتمعات الإسلامية .
وإنّ قصدي في عرض صورة عن ذلك العصر ، إنّما هو تلمس الأثر في نفس المصنّف وربما شيئاً من ذلك في كتابه ، ( ( فالإنسان يستمد أسلوب تفكيره