حكيم حميد " وفي الوصفين الأولين دلالة قاطعة على عدم تحريف القرآن ، أمّا الصفة الثالثة فتشير إلى منشأ هذه الصفات وسرّها .
و " العزيز " مشتق من العزّة ، بمعنى الذي لا يُغلَب ولا يُقْهر من قولهم أرضٌ عَزاز ، أي : صُلْبَةٌ [1] .
و " الباطل " : نقيض الحق وهو ما لا ثبات له عند الفحص عنه [2] ، وبطل الشيء بطلاناً : فَسَدَ أو سقط حكمه [3] .
وصفة العزيز تدل على نفي التّحريف عن القرآن ، لأنّ التّحريف يستلزم قبول الغلبة والتجاوز ، وهذا الأمر لا ينسجم مع " عزة " القرآن الكريم .
وكذلك نستفيد من الصفة الثانية للدلالة على نفي التّحريف لأنّه مع أخذ اعجاز القرآن الكريم بنظر الاعتبار - حيث نرى الانسجام والمتانة في العلوم والمعارف القرآنية وسيادة الحق المقرون بالنظم ، الذي اتصفت به الآيات والجمل القرآنية في كلّ سورة حاكماً على كافة أجزاء القرآن - فيكون كلّ تغيير أو تبديل من شأنه أن يلحق خللاً بإعجاز القرآن ومعارفه ، ويكون القرآن حينئذ مصداقاً للفاني والفاسد . في حين أنّ الآية تنفي هذا الأمر عن القرآن في أىّ زمان وأىّ شكل من الأشكال وحيث إنّ الباري تعالى إذا أراد أن يجعل المعارف القرآنية في متناول يد الإنسان فإنّه يضعها من دون أىّ نقص أو خلل ، والتّحريف يمثّل نقصاً كبيراً ويمثل مصداقاً بارزاً لدخول الباطل على القرآن ، ويكون نقضاً لغرض الباري لا ينسجم مع حكمته سبحانه وتعالى الواردة في قوله تعالى ( تنزيل من حكيم حميد ) ، وذكرنا سالفاً أنّ هذا التعبير دليل وحكمة على حصانة القرآن ومنعته وعزته .