ولما ذكرنا ذهب قوم إلى انّ بين العقل و الشرع تلازماً لا يمكن ان ينفكّ أحدهما عن الاخر فإذا حكم العقل الصحيح بانّ هذا حسن أو قيبح يجزم من هذا بأنّ حكم الشّرع ايضاً كذلك ، فحكم العقل كاشف عن حكم الشرع وهو تابع للعقل و المعتزلة ايضاً هكذا تقولون .
قال شارح جمع الجوامع : انّ المعتزلة لا ينكرون انّ اللَّه تعالى هو الشّارع للاحكام ، انّما يقولون انّ العقل يدرك انّ اللَّه تعالى شرع احكام الافعال بحسب ما يظهر من مصالحها ومفاسدها فهما عندهم مؤدّيان إلى العلم بالحكم الشّرعي تابع لهما لا عينهما فما كان حسناً جوّزه الشّارع وما كان قبيحاً منعه . فصار عند المعتزلة حكمان أحدهما عقلي و الاخر شرعي تابع له . فبان انّهم لا يقولون انّه بمعنى العقاب و الثواب ليس بشرعيّ اصلاً خلافاً لما يوهمه ظاهر عبارة المصنّف وغيره - انتهى كلامه - .
و يرد على هذا القول شيئان ولكن جوابهما معلوم .
الاوّل انّا نرى انّ كثيراً من المحسّنات العقليّة صارت محرّمة في الشرع وكثيراً من القبائح العقليّة أوجبها الشارع فكيف يدعى التلازم بينهما ؟ وجوابه ظاهر لانّا لانسلّم انّ الشارع حرّم المحسنّات العقليّة أو أوجب القبائح العقليّة بل انّ ظنّ ذلك في باديء النظر فانّما هو ناشء عن العقول القاصرة و الفهوم العاجزة البائرة فإنّ كلّ عقل ليس بصحيح وكلّ درك ليس بمستقيم بل الموافق للعقل السلّيم و الموافق للفهم المستقيم ما قال به