أراد بردائه سيفه ، ثم قال : فاعتجر منه بشطر ، فنظر إلى المستعار في لفظ الاعتجار ، ولو نظر إليه فيما نحن فيه لقيل فكساها لباس الجوع والخوف ، ولقال كثيرا : ضافي الرداء إذا تبسم ضاحكا ، وقد يجتمعان كما في قوله :
لدى أسد شاكي السلاح مقذف * له لبد أظفاره لم تقلم فشاكي السلاح تجريد لأنه وصف يلائم المستعار له أي الرجل الشجاع ، وقوله * له لبد أظفاره لم تقلم * ترشيح لأن هذا الوصف يلائم المستعار منه ، وهو الأسد الحقيقي .
( وترمينني بالطرف أي أنت مذنب * وتقلينني لكن إياك لا أقلى ) في سورة الكهف عند قوله تعالى ( لكنا هو الله ربى ) أصله لكن أنا وقرئ كذلك ، فحذفت الهمزة فتلاقت النونان ثم أسكنت الأولى وأدغمت في الثانية فصار لكن ، ثم ألحق الألف إجراء للوصل مجرى الوقف لأن الوقف على أنا بالألف ، ولأن الألف تدل على أن الأصل لكن أنا وبغيرها يلزم الإلباس بينه وبين لكن المشددة ، ولما كان الضمير في ربى راجعا إلى أنا الذي هو المبتدأ جاز هذا التقدير . تقول : إنما هو صاحبي ولا تقول إنما هو الصاحب .
والفرق بين الآية والبيت أنه لم يجر الوصل مجرى الوقف في البيت فلم يلحق الألف : أي وتشيرين إلى بالعين ، تقولين : أنت مجرم وتبغضينني أشد البغض لكن أنا لا أبغضك ، كذلك يقال قلاه يقليه وقليه يقلاه : إذا أبغضه وربما فتح لامه فقيل قلاه . وقد استشهد ابن هشام بالبيت المذكور على وقوع أي تفسيرا للجمل ، وقريب من هذا البيت قوله :
فلو كنت ضبيا عرفت قرابتي * ولكن زنجيا عظيم المشافر أي ولكنك .
( في مهمه قلقت به هاماتها * قلق الفؤوس إن أردن نصولا ) في سورة الكهف عند قوله تعالى ( جدارا يريد أن ينقض ) حيث استعيرت الإرادة للمداناة والمشارفة كما أستعير لهم والعزم لذلك . قال الراعي في مهمه الخ . المهمة : المفازة . والهامة : وسط الرأس . والفؤوس جمع فأس :
وهو الحديد الذي يفلق به الحطب . والنصول : الخروج . يقال نصل نصولا : أي يخرج من موضعه ، وكل شئ أخرجته من شئ فقد أنصلته . يصف شدة تلك المفازة وأن هامات النوق فيها مقلقة قلق الفؤوس إذا أرادت أن تخرج من نصابها .
( وضاقت الأرض حتى كأن هاربهم * إذا رأى غير شئ ظنه رجلا ) في سورة مريم عند قوله تعالى ( ولم تك شيئا ) لأن المعدوم ليس بشئ أو شيئا يعتد به كقولهم : عجبت من لا شئ كأنه مأخوذ من قوله ( يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو ) والشئ في اللغة عبارة عن كل موجود إما حسا كالأجسام وإما حكما كالأقوال ، نحو قلت شيئا وجمع الشئ أشياء غير منصرف . واختلف في علته اختلافا كثيرا ، والأقرب ما حكى عن الخليل أن وزنه شيئا وزان حمراء ، فاستثقل وجود همزتين في تقدير الاجتماع فنقلت الأولى إلى أول الكلمة فبقيت لفعاء كما قلبوا أدؤرا فقالوا آدر وشبهه ويجمع الأشياء على أشايا ، والمشيئة اسم منه بالهمز ، والإدغام غير سائغ إلا على قياس من يحمل الأصلي على الزائد لكنه غير منقول .
( حلت لي الخمر وكنت امرأ * من شربها في شغل شاغل فاليوم أشرب غير مستحقب * إثما من الله ولا واغل )