يفصدوا الإبل قراة ناقة أو جملا ، ويخرجوا من الدم ما يكفيه ويرفعوا ذلك الدم على النار حتى يشتد ويصير قطعا مثل قطع الكبد ويطعموه ، فحرم الله تعالى ذلك بقوله ( حرمت عليكم الميتة والدم ) ويحتمل أن يكون المراد من قوله : يجرح في عراقيبها نصلى ، ذبح الناقة ونحرها ، لأن الناقة ربما تعقر عند النحر كيلا تحتاج إلى إحكام وإبرام .
والنصل : هو السيف . ودل البيت على أنه مضياف نحار في أزمان الأزمة الشديدة ، وهو لذي الرمة ، والضمير عائد إلى الإبل في قوله قبل هذا البيت :
وما لام من يوم أخ وهو صادق * أخا لي ولا اعتلت على ضيفها إبلي إذا كان فيها الرسل لم تأت دونه * فصالي ولو كانت عجافا ولا أهلي وإن تعتذر ، البيت :
( حفد الولائد بينهن وأسلمت * بأكفهن أزمة الأجمال ) في سورة النحل عند قوله تعالى ( وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ) جمع حافد وهو الذي يسرع في الخدمة والطاعة ، ومنه قول القانت ( وإليك نسعى ونحفد ) أي جعل لكم خدما يسرعون في خدمتكم وطاعتكم ، فقيل المراد بهم أولاد الأولاد ، وقيل البنات ، حفد الولائد جمع الوليدة وهى الأمة . يقول : إن الإماء يسرعن بينهن وأزمة الجمال بأكفهن ، يريد أنهن منعمات مخدومات ذوات الإماء والأجمال .
( غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا * غلقت لضحكته رقاب المال ) في سورة النحل عند قوله تعالى ( فأذاقها الله لباس الجوع والخوف ) استعار الرداء للعطاء لأنه يصون عرض صاحبه كما يصون الرداء ما يلقى عليه ، ثم وصفه بالغمر الذي يلائم العطاء دون الرداء تجريدا للاستعارة . والقرينة :
سياق الكلام وهو قوله : إذا تبسم ضاحكا : أي شارعا في الضحك آخذا فيه غلقت لضحكته رقاب المال . يقال غلق الرهن في يد المرتهن : إذا لم يقدر على فكاكه ، وغلق الرجل مثل غضب وضجر لفظا ومعنى ، وهو مشتق من غلق الباب ، فإنه يمنع الداخل من الخروج والخارج من الدخول فلا يفتح إلا بمفتاح ، قال الشاعر :
وفارقتك برهن لا فكاك له * يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا يعنى إذا تبسم غلقت رقاب أمواله في يد السائلين ، وعليه قوله تعالى ( فأذاقها الله لباس الجوع ) حيث لم يقل فكساها ، لأن الترشيح وإن كان أبلغ لكن الإدراك بالذوق يستلزم الإدراك باللمس من غير عكس . فكان في الإذاقة إشعار بشدة الإصابة بخلاف الكسوة ، وإنما لم يقل طعم الجوع ، لأنه وإن لاءم الإذاقة فهو مفوت لما يفيده لفظ اللباس من بيان أن الجوع والخوف عم أثرهما جميع البدن عموم الملابس .
واعلم أنه إن قرن اللفظ بما يلائم المستعار له فتسمى الاستعارة مجردة كما في الآية والبيت ، وإن قرن بما يلائم المستعار منه فمرشحة نحو ( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ) وكقوله :
ينازعني ردائي أم عمرو [1] * رويدك يا أخا عمرو بن بكر لي الشطر الذي ملكت يميني * ودونك فاعتجر منه بشطر