في الدنيا ، وقوله وأشعرن اعتراض : أي لا حاجة إلى تمنى الشعور فإنه حاصل ، وأعلم أنى إن عملت خيرا جزيته وإن عملت شرا كذلك .
( أسيئى بنا أو أحسني لا ملومة * لدينا ولا مقلية إن تقلت ) هو لكثير عزة من قصيدته المشهورة . في التوبة عند قوله تعالى ( قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين ) أي أنفقوا وانظروا هل يتقبل منكم ؟ ونحوه ( استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ) أي وانظر هل ترى اختلافا بين حال الاستغفار وتركه . يقول لعزة : امتحني لطف محلك عندي وقوة محبتي لك وعامليني بالإساءة والإحسان ، وانظري هل يتفاوت حالي معك مسيئة كنت أو محسنة فلا نلومك ، وفى معناه قول القائل :
أخوك الذي إن قمت بالسيف عامدا * لتضربه لم يستغشك في الود ولو جئت تبغى كفه لتبينها * لبادر إشفاقا عليك من الرد يرى أنه في الود وإن مقصر * على أنه قد زاد فيه على الجهد وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة يوسف عند قوله تعالى ( وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن ) فإن المشهور استعمال الإحسان بإلى نحو ( أحسن كما أحسن الله إليك ) ولما تضمن معنى اللطف تعدى بالباء كقوله ( وبالوالدين إحسانا ) وكذلك بيت كثير عزة . قال أبو الحسين محمد بن أحمد بن طباطبا في كتاب عيار الشعر :
قال العلماء : لو قال هذا البيت في وصف الدنيا لكان أشعر الناس ، ومن أخوات هذا البيت :
وقلت لها يا عز كل مصيبة * إذا وطنت يوما لها النفس ولت قال ابن طباطبا : قد قال العلماء : لو أن كثيرا جعل هذا البيت في وصف حرب لكان أشعر الناس ، وسيأتى بقية أبيات هذه القصيدة في محلها قريبا إن شاء الله تعالى .
( إن تذنبوا ثم يأتيني بقيتكم * فما على بذنب عندكم فوت ) في سورة هود عند قوله تعالى ( فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ) أي أولو فضل وخير ، وسمى الفضل والجود بقية لأن الرجل يستبقى مما يخرجه أجوده وأفضله فصار مثلا في الجود والفضل . ويقال فلان من بقية القوم : أي من خيارهم وبه فسر بيت الحماسة بقيتكم ، ومنه قولهم : في الزوايا خبايا وفى الرجال بقايا . ويجوز أن تكون البقية بمعنى البقوى كالتقية بمعنى التقوى : أي هلا كان منهم ذوو إبقاء على أنفسهم وصيانة لها من سخط الله ؟ وفسرت البقية في البيت على وجهين : أحدهما أن يكون المعنى : ثم يأتيني خياركم وأماثلكم . والآخر أن يكون المعنى : ثم يأتيني بقيتكم الذين لم يذنبوا متنصلين . قوله بذنب : أي بسببه ، وقد حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ، ويقال لأفوت عليك في كذا كما يقال لا بأس عليه ; وفى هذا الكلام إعلام بأنه يستعمل الأناة والحلم معهم ; والمعنى بالتفسير الأول : أو تذنبوا ثم يأتيني خياركم وأماثئكم يقيمون معذره بأنفسهم ويبينون أنهم لم يساعدوكم بالرأي ولا بالفعل ، فما على بجزاء ذنب فوت وما يلحقكم من لائمة وعيب . وبالتفسير الآخر :
إن تذنبوا ثم يأتيني بقيتكم الذين لم يذنبوا يعتذروا بأنهم فارقوكم لعظيم جنايتكم فلا تفوتني مؤاخذتكم ومحاسبتكم :
( يوم ترى النفوس ما أعدت * من نزل إذا الأمور غبت في سعى دنيا طالما قد مدت )