وأنشد : كانت مسألة الركبان تخبرني * عن أحمد بن سعيد أطيب الخبر حتى التقينا فلا والله ما سمعت * أذني بأطيب مما قد رأى بصرى فقال له جار الله : إن زيد الخيل دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما بصر بالنبي صلى الله عليه وسلم رفع صوته بالشهادتين ، فقال صلى الله عليه وسلم : كل رجل وصف لي وجدته دون الصفة إلا أنت فإنك فوق ما وصفت لي ، وكذلك أنت يا أيها الشريف .
( وقد أتاك يقين غير ذي عوج * من الإله وقول غير مكذوب ) أراد به القرآن في الزمر عند قوله تعالى ( قرآنا عربيا غير ذي عوج ) أي مستقيما بريئا من التناقض والاختلاف .
قال الزمخشري : إن قلت فهلا قيل مستقيما أو غير معوج قلت : فيه فائدتان : إحداهما نفى أن يكون فيه عوج قط كما قال ( ولم يجعل له عوجا ) . والثانية أن لفظ العوج . مختص بالمعاني دون الأعيان ، فدل على استقامة المعنى من كل وجه بعد ما دل على استقامة اللفظ بكونه عربيا ، بخلاف ما إذا قيل مستقيما أو غير معوج فإنه لا يكون نصا في ذلك لاحتمال أن يراد نفى العوج بالفتح . وقيل المراد بالعوج الشك واللبس وعليه البيت : وقد أتاك الخ .
( دعا قومه حولي فجاءوا لنصره * وناديت قوما بالمسناة غيبا ورب بقيع لو هتفت نجوه * أتاني كريم ينفض الرأس مغضبا ) هو لأبى عمرو بن العلاء في الزمر عند قوله تعالى ( أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله ) قال الزمخشري : فإن قلت لم نكرت ؟ قلت : لأن المراد بعض الأنفس وهى نفس الكافر . ويجوز أن يراد نفس متميزة من الأنفس إما بلجاج في الكفر شديد أو بعذاب عظيم . ويجوز أن يراد التكثير كما قال الأعشى : ورب بقيع الخ .
وهو يريد أفواجا كراما ينصرونه لا كريما واحدا ، ونظير ذلك : أي في كونه خلاف مقتضى الظاهر وهو أن الذي ليس للتكثير قد يستعمل للتكثير : رب بلد قطعت ، ورب بطل قارعت وقد أختلس الطعنة ولا يقصد إلا التكثير ، وقوله قد أختلس الطعنة ، وبعده : لا يدمى لها نصلى ، وقبله :
ونبلي وفقاها ك - عراقيب قطا طحل أيا تملك يا تملي * ذريني وذرى عذلي الطلحة : لون بين الغبرة والسواد . وفقوة السهم فوقه ، موضع الوتر منه والجمع فقا . أراد أنه تناول من خصمه ما تناول بتثبت وقوة قلب لا كما يفعل الجبان ، ثم ذكر تمكنه من خصمه على شدة احتراز منه حتى تناول منه ما تناول خلسا ، وقد وصف الشجاع بالمخالس والخليس وكذلك المصارع ، ومن مدح خصمه ، ثم ذكر غلبته له كان أبلغ في الافتخار به ، وقريب من هذا المعنى : فلان عالم فاضل قرأ على . واعلم أنه يجوز أن يراد بالنفس المنكرة نفسا متميزة من بين الأنفس باللجاج الشديد في الكفر أو بالعذاب العظيم كما تقدم ، ولما كان في حمل المفرد المنكر على التكثير نوع بعد استشهد فيه بكلام الفصحاء . والبقيع : موضع فيه أروم الشجر من ضروب شتى ، وبه سمى بقيع الغرقد بالغين مقبرة المدينة ، وقوله * وناديت قوما بالمسناة غيبا * أي أمواتا مقبورين صارت الأحجار مسناة فوقهم ، والشاعر يشكو قومه حين قعدوا عن نصره فبالغ في إغضابهم وجعلهم دون الأموات فقال : ورب مقبرة لو هتفت بنحوها أتاني كريم ينفض الرأس من تراب القبر محمولا على غضب أي غضب ، ومعلوم أنه لو عنى كريما واحدا لم يستقم معنى البيت .