المادي الظاهر على صدق الأنبياء أكثر من قدرتهم الروحيّة وحالاتهم المعنويّة والعقليّة لأنّ هذا قد لا يدركه عموم الناس كما لم ينحصر لطفه عزّ وجلّ بإخبارات النبيّ السابق عن ظهور نبيّ في اللاحق ، وذكره لعلامات النبوّة وسيماء النبيّ القادم وذلك لأنّه حتى لو وصلت هذه الإخبارات والعلامات للأمم اللاحقة على نحو التواتر إلَّا أنّها قد لا تلزم من لا يتديّن بدين أصلا ، أو لا يعتقد بنبوّة ذلك النبيّ ، فلا تتمّ الحجّة عليه .
ولعلّ قوله سبحانه في سورة الحديد : * ( لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ والْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيه بَأْسٌ شَدِيدٌ ومَنافِعُ لِلنَّاسِ ) * « 1 » يحاكي أصحاب العقول المتفتّحة والآراء المتطلَّعة لجمع الدين بالدنيا والفكر والتطبيق حتّى في مثل مجالات السياسة والاجتماع والاقتصاد ونحوها ، حيث جمعت بين ثلاثة دلائل واضحة تشكّل العناصر الأساس لقيام أي مجتمع ودولة ، وهي :
1 - البيّنات كحجج على الإيمان 2 - الكتاب كحجّة على التقنين والتنظيم 3 - الميزان كحجّة على التطبيق والممارسة مادّيّا ومعنويّا .
ومن الواضح أنّ كلّ دولة وأمّة تقومان على العقيدة والنظام والسلطة ، ويجمعهما الهدف المشترك ، وهو العدل ، ثم يأتي بعد ذلك الحديد والقوّة لحمايتهما من الاستهانة أو الاستلاب ، وبهذا يبني الأنبياء عليهم السّلام حضارة إنسانيّة رائعة يسودها الأمن والسلام ، ويحكمها العدل والنظام في شتى المجالات ، وقد جمع هذه جميعا القرآن الكريم ، فاحتوى كلّ رسالات الأنبياء وأهدافهم ، فوصفه ربّه ومنزّله : * ( إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي