لأنّ النعمة تتمّ بالبقاء والخلود كما تنتقص بالزوال والفناء ، والخلود هو الدوام من وقت مبتدء ولذا لا يقال في حق اللَّه خالد ، قال عكرمة أهل الجنة ولد ثلاث وثلاثين سنة رجالهم ونساؤهم وقامتهم ستون ذراعا على قامه أبيهم آدم عليه السّلام شباب جرد مرد مكحلون ، عليهم سبعون حلَّة ، تتلون كل حلَّة في كل ساعة سبعين لونا ، لا يبترنون ولا يمتخطون ، يزدادون كل يوم جمالا وحسنا ، كما يزداد أهل الدنيا هرما وضعفا ، لا يفنى شبابهم ، ولا تبلى ثيابهم .
قوله تعالى [ سورة البقرة ( 2 ) : الآيات 26 إلى 27 ] إِنَّ اللَّه لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّه الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللَّه بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِه كَثِيراً ويَهْدِي بِه كَثِيراً وما يُضِلُّ بِه إِلَّا الْفاسِقِينَ ( 26 ) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّه مِنْ بَعْدِ مِيثاقِه ويَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّه بِه أَنْ يُوصَلَ ويُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ( 27 ) وجه تعلَّق الآية بما قبلها أنّه لما جاء في القرآن ذكر النحل والذباب والعنكبوت والنمل أورد المنافقون والكفار إنّ مثل هذه الأشياء لا يليق ان يذكر في القرآن وكلام الفصحاء وذلك يقدح في فصاحة القرآن فضلا عن كونه معجزا ، فأجاب اللَّه عن شبهتهم بان ذكرها مشتملا على حكم بالغة ولذلك ضرب الأمثال بالنار والظلمات والرعد والبرق ليس بقبيح ، حتى يستحى ان يضرب بها المثل ، فنزلت الآية دفعا لمقالهم ، المعنى : اعلم أن الحياء تغيير وكيفية يعترى الإنسان من خوف ما يعاب به ، يقال حي الرجل كما خشي ونسي ، فاستحال هذا المعنى على اللَّه سبحانه لأنه تغير يلحق البدن وكيفية حاصلة ، وذلك لا يعقل الا إلى الجسم فيجب تأويله وهو انّ هذا الكلام جاء على سبيل أطباق الجواب على السؤال والشبهة التي أوردوها حيث قالوا اما يستحيى ربّ محمّد ان يضرب مثلا بالذباب والعنكبوت ، فردّ سبحانه كلامهم على طبق إيرادهم فقال ان اللَّه لا يستحيى الآية .
ووجه أخر في الكلام وهو ان كل صفة تطلق للعبد إذا وصف اللَّه تعالى بذلك فهو محمول على نهايات الاعراض ، لا على بدايات الاعراض ، مثاله ان الحياء له مبدأ ومنتهى فالمبدأ هو التغيير الجسماني والمنتهى ترك ذلك الفعل الذي ينسب فاعله إلى القبيح ، فإذا ورد الحياء في حق اللَّه ليس المراد ذلك الخوف الذي هو مبدأ الحياء ومقدمته ، بل ترك