التاجر اشتغلت نهاري في التجارة حتى تعبت فقمت هذه الليلة لمصلحة التهجد فلمّا أردت الوضوء بدء لي من ظهري حرارة فاشتد امرى حتّى صرت محموما فقال الشيخ لا تفعل فعلا فضوليا ولا ينفعك التهجد ما دمت لم تهجر دنياك وتخرج محبتها من قلبك وتحرص عليها فاللائق لك أولا هو ذاك ثم الاشتغال بوظائف النوافل فمن كان به أذى من صداع لا يسكن ألمه بالطلاء على الرجل ومن تنجست يده لا يجد الطهارة بغسل ذيله وكمّه ومن علامة اتّباع الهوى المسارعة إلى نوافل الخيرات والتكاسل عن القيام بالواجبات ترى الواحد منهم يقوم بالأوراد الكثيرة والنّوافل الثقيلة ولا يقوم بفرض واحد على وجهه .
وفي قوله تعالى * ( وما كانُوا مُهْتَدِينَ ) * صنعة الإيغال فانّ الإيغال في اصطلاح البديعين ختم الكلام بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها فانّ في قوله أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم تم المعنى وأفاد بقوله وما كانوا مهتدين مبالغة في ضلالتهم لأنّ المطلوب في تجارتهم سلامة رأس المال وحصول الربح وربما تضيع الطلبتان ويبقى لهم معرفة التصرف في طريق التجارة فبيّن هذه النكتة انّهم ضلَّوا الطريق ، وليس لهم طريق ومعرفة في التجارة بعده أبدا ، فتاجروا مع اللَّه ، بالأعمال الصالحة ، والصدقات ، واطلب التجافي عن دار الغرور واقرع باب الاستغفار والاعتذار ، ودع المباهات والافتخار ولا يغرّك عزّك في دنياك ، واقبال ايّامك ، فانّ الإقبال مقلوب لا بقاء ، فبموتك يذهب الذهب ، والغناء عناء ، والدرهم همّ ، والدينار نار ، بل لا تضيع عمرك في تحصيل العلوم الفضول ، فاقنع من العلوم بقدر حاجتك للعمل ، فان النحو محو ، والنجوم رجوم والرياضي رياضة ، والفلسفة فلّ وسفه ، والعلم النافع ، علم القرآن والحديث ، وهما أصول الشريعة وقانون الطريقة ، كل العلوم سوى القرآن مشغلة غير الحديث ، وإلَّا الفقه في الدين ، العلم ما كان فيه قال حدثنا وما سوى ذاك وسواس الشياطين .
[ سورة البقرة ( 2 ) : آية 17 ] مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَه ذَهَبَ اللَّه بِنُورِهِمْ وتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ ( 17 ) : اى مثل هؤلاء المنافقين لمّا أظهروا الايمان وابطنوا الكفر كمثل الذي أوقد نارا ، واصل المثل بمعنى النظير ، ثم قيل للقول الناشر