نطقت الأرض من تحتي وقالت : لا مرحبا بك ولا أهلا قد كنت أبغضك وأنت على ظهري فكيف وقد صرت في بطني ؟ بل ويحي إذا نظرت إلى الأنبياء وقوفا والملائكة صفوفا ، فمن عدلك من يخلَّصني ؟ ومن المظلومين من يستنقذني ؟ ومن عذاب النار من يجيرني ؟ قد عصيت من ليس بأهل أن يعصى ، وجعل يردّد هذا الكلام ويبكي إلى الصباح ، فلمّا خرج من القبر التزمه ابن عبّاس وعانقه ، ثمّ قال : نعم النبّاش ما أنبشك للذنوب والخطايا ! ثمّ تفرّقا .
وأمثال هذه الرياضات لا تحصل إلَّا بالخشية وبرسوخ حبّ اللَّه في القلب وخروج حبّ الدنيا عن القلب ، فمزّق نفسك ضدّ عادتها وعوّدها بالعادات الجميلة ، والعادات تقتضي في النفس عجائب ، أما ترى أنّ اللاعب بالحمام لا يحسّ طول النهار بحرّ الشمس قائما على رجليه وهو ميّت من التعب ومع ذلك لا يحسّ ، وإذا كان الطبع يستلذّ من أكل الطين فكيف لا يستلذّ من العسل ؟ فروّض نفسك بمشقّات الطاعة حتّى يصير التطوّع طبعا ، لكن لمّا كانت اللذات أنسب إلى مشتهاها تميل النفس إليها والنفس قابلة لقبول العادتين .
لكنّ هذه الرياضة يكون لها مدّة طويلة ، فإنّ عادة عشرين سنة لا تتبدّل بقيام ليلة ولا أقلّ من المقابلة وأنّ الترياق يلزم أن يكون مساويا لوزن السمّ فدم في العمل حتّى تستدرك الفيض الأقدم والأولى في رياضتك ، وتبديل أخلاقك علاج مرض القلب وأنت بزعمك ليس قلبك مريض ، ومن عنده شيء أحبّ إليه من اللَّه فقلبه مريض ولا بدّ من علاجه وإلَّا فيهلك قال اللَّه سبحانه : « قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وأَبْناؤُكُمْ وإِخْوانُكُمْ وأَزْواجُكُمْ - إلى قوله - أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّه ورَسُولِه وجِهادٍ فِي سَبِيلِه فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّه بِأَمْرِه » « 1 » .
[ سورة البقرة ( 2 ) : آية 152 ] فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ واشْكُرُوا لِي ولا تَكْفُرُونِ ( 152 ) * ( [ فَاذْكُرُونِي ] ) * بالطاعة لقوله صلَّى اللَّه عليه وآله : من أطاع اللَّه فقد ذكر اللَّه وإن قلَّت صلاته وصيامه وقراءته ، ومن عصى اللَّه فقد نسي اللَّه وإن كثرت صلاته وقراءته * ( [ أَذْكُرْكُمْ ] ) * بالثواب والإحسان وإفاضة الخير ، وأطلق الذكر على طريق المشاكلة والمجاز لوقوعه