هم وسط يرضى الأنام بحكمهم إذا نزلت إحدى الليالي العظائم فمدحهم اللَّه بكونهم عدولا ولذلك جعلهم شهودا ، كما قال : « كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ » « 1 » وذلك لأنّهم متوسّطون في الدين بين المفرط والغالي فلا قصّروا كتقصير اليهود حيث قتلوا أنبياءهم وحرّفوا التوراة ، ولم يغلوا كما غلت النصارى فجعلوا له تعالى ابنا وإلها .
* ( [ لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ] ) * روى الحاكم أبو القاسم الحسكانيّ في كتاب شواهد التنزيل بإسناده عن سليم بن قيس ، عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال : إيّانا عنى بقوله :
« لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ » بأعمالهم ، فرسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله شاهد علينا ونحن شهداء اللَّه على خلقه وحجّته في أرضه ونحن الَّذين قال تعالى : « لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ » .
* ( [ ويَكُونَ الرَّسُولُ ] ) * أي محمّد صلَّى اللَّه عليه وآله * ( [ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ] ) * فلو قيل : إنّ الشهادة إذا كانت ضارّة تتعدّى بعلى وإذا كانت نافعة تتعدّى باللام ، لأنّ المراد من كلمة « على » تضمّن معنى الرقيب والمطَّلع ، فحسن التعبير بعلى .
* ( [ وما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها ] ) * وهي الكعبة ، لأنّه صلَّى اللَّه عليه وآله كان - وهو بمكّة - مأمورا بأن يصلَّي إلى الكعبة ، ثمّ لمّا هاجر إلى المدينة امر بالصلاة إلى بيت المقدس ، ثمّ أعيد إلى ما كان عليه والمعنى : ما رددناك إلى ما كنت عليه وعلى استقباله * ( [ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ ] ) * في التوجّه إلى ما امر به * ( [ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ ] ) * وينصرف * ( [ عَلى عَقِبَيْه ] ) * العقب مؤخّر القدم مستعار للارتداد والرجوع عن الدين والطريق .
أي ليتميّز الثابت على الإسلام من المتردّد ، واللَّازم من العلم التميز وتسمية الملزوم باسم اللازم وبالعكس شائع ، وليس المراد أنّه تعالى لم يعلم حالهم ثمّ علم لأنّه كان عالما في الأزل بهم وبكلّ حال من أحوالهم الَّتي تقع في كلّ زمان من أزمنة وجودهم .
ونظيره في الإشكال قوله : « ولَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ والصَّابِرِينَ » « 2 »