النمرود أوّل من وضع التاج على رأسه ودعا الناس إلى عبادته ، وكان له كهّان ومنجّمون ، فقالوا له : إنّه يولد في بلدك في هذه السنة غلام يغيّر دين أهل الأرض ويكون هلاكك وزوال ملكك على يديه ، قالوا : فأمر بذبح كلّ غلام يولد في ناحيته في تلك السنة ، فلمّا دنت ولادة امّ إبراهيم عليه السّلام وأخذها المخاض خرجت هاربة ، مخافة أن يطَّلع عليها فيقتل ولدها ، فولدته في نهر يابس ، ثمّ لفّته في خرقة ووضعته في حلفاء ، ثمّ رجعت وأخبرت زوجها بأنّها ولدت وأنّ الولد في موضع كذا ، فانطلق أبوه وأخذه من ذلك المكان وحفر له سربا في الأرض كالمغارة ، فواراه فيه وسدّ عليه بابه بصخرة مخافة السباع .
وكانت امّه يختلف إليه فترضعه . وكان اليوم على إبراهيم عليه السّلام في الشباب والقوّة كالشهر في حقّ سائر الصبيان ، والشهر كالسنة ، فلم يمكث إبراهيم عليه السّلام في المغارة إلَّا خمسة عشر شهرا ، أو سبع سنين ، أو أكثر .
فلمّا شبّ إبراهيم عليه السّلام في السرب ، قال لأمّه : من ربّي ؟ قالت : أنا ، قال :
فمن ربّك ؟ قالت : أبوك ، قال : فمن ربّ أبي ؟ قالت : اسكت ، فأتى إبراهيم عليه السّلام أباه آزر وقال : يا أباه من ربّي ؟ وكان آزر ، عمّه ويطلق الأب على العمّ تغليبا لأنّ العمّ أب والخالة امّ ، لا نخراطهما في سلك واحد وهو الاخوّة ، لا تفاوت في أغلب الأمور بينهما ، كما قال النبيّ صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم : عمّ الرجل صنو أبيه ولا تفاوت بين صنوي النخلة .
وبالجملة ، لمّا قال إبراهيم عليه السّلام لآزر : من ربّي ؟ قال آزر : امّك ، قال :
فمن ربّ امّي ؟ قال : أنا ، قال : فمن ربّك ؟ قال : النمرود ، قال : فمن ربّ النمرود ؟
فلطمه لطمة وقال له : اسكت .
فلمّا جنّ عليه الليل ، دنا إبراهيم عليه السّلام من السرب ، فنظر من خلال الصخرة ، فرأى السماء وما فيها من الكواكب ، فتفكّر في خلق السماوات ، فقال : إنّ ربّى الَّذي خلقني ورزقني وأطعمني وسقاني مالي إله غيره ، ثمّ نظر في السماء ، فرأى كوكبا ، قال : هذا ربّي ، ثمّ أتبعه بصره ، ينظر إليه حتّى غاب ، فلمّا أفل قال : لا