وأمّا قصّة القبلة ، روى انّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم كان يصلَّى بمكّة إلى الكعبة ، فلمّا هاجر إلى المدينة أمره اللَّه أن يصلَّى نحو بيت المقدس ليكون أقرب إلى تصديق اليهود ، فصلَّى نحوه ستّة عشر شهرا وكان يقع في روعه ويتوقّع من ربّه ان يحوّله إلى الكعبة لأنّها قبلة أبيه إبراهيم عليه السّلام واقدم القبلتين وذلك قوله : « قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها » وذلك في مسجد بنى سلمه ، فصلَّى الظهر ولمّا صلَّى الركعتين نزل « فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ » فتحوّل في الصلاة ، فسمّى ذلك المسجد ، مسجد القبلتين ، فلمّا تحوّلت القبلة أنكر من أنكر ، فكان هذا ابتلاء من اللَّه كما قال « وما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْه » فاتّبع الرسول واستقل في مبدء طريق السالكين .
[ سورة البقرة ( 2 ) : الآيات 116 إلى 117 ] وقالُوا اتَّخَذَ اللَّه وَلَداً سُبْحانَه بَلْ لَه ما فِي السَّماواتِ والأَرْضِ كُلٌّ لَه قانِتُونَ ( 116 ) بَدِيعُ السَّماواتِ والأَرْضِ وإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَه كُنْ فَيَكُونُ ( 117 ) « وقالُوا اتَّخَذَ اللَّه وَلَداً » : والضمير راجع اما إلى قوله « ومَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّه » وفي المانعين اختلف الأقوال كما ذكرنا من اليهود ، أو مشركي العرب أو غيرهم وعلى كلّ الأقوال ، الآية في اتخاذ الولد ، يشملهم لأنّ اليهود قالوا : عزير ابن اللَّه - والنصارى قالوا : المسيح ابن اللَّه - ومشركوا العرب قالوا : الملائكة بنات اللَّه ، فلا جرم صحّت هذه الحكاية على جميع التقادير ، قال ابن عباس : انّها نزلت في كعب بن الأشرف وكعب بن أسد ووهب بن يهودا ، فانّهم جعلوا عزيرا ابن اللَّه ، والاتخاذ أما بمعنى الصنع والعمل ويتعدّى إلى مفعول واحد - وامّا بمعنى التصيّر ، والمفعول الأوّل محذوف ، اى صيّر بعض مخلوقاته ولدا وادعى انّه ولده ، لا انّه ولده حقيقة ، فكما يستحيل عليه تعالى ان يلد حقيقة ، كذا يستحيل عليه التبنّي ، فنزّه اللَّه تعالى نفسه عما قالوا ، بقوله « سُبْحانَه » فهو كلمة تنزيه ، ينزّه بها عمّا نسبوا اليه ، كما قال في موضع آخر : سبحانه أن يكون له ولد فمرّة أظهره ومرّة اقتصر عليه لدلالة الكلام عليه واحتجّ على هذا التنزيه بقوله « بَلْ لَه ما فِي السَّماواتِ والأَرْضِ » لأنّ