انّ تأثير ذلك فيه كتأثير الحقيقة ، لأنّ تألَّم النائم كتألم اليقظان وانّما يخلصه عنه التنبيه وذلك في الآخرة دائم لا انقطاع له . وصنف من الأطبّاء والمنجّمين ، اقتصر نظرهم على الطبائع الأربع ومزاجها ولم يدركوا الا الروح الجسماني الذي هو بخار أنضجته حرارة القلب ، ينتشر في العروق الضوارب إلى جميع البدن ويقوم به الحسّ والحركة وظنّوا انّ الموت عدمه وانه يرجع إلى فساد المزاج . والصنفان الأوّلان قائلون ومتفقون على اثبات سعادة مؤبّدة ومتفقون بان السعادة لا تنال الَّا بالإطاعة وترك الدنيا ، فأنت في حق هؤلاء اى الصنف الآخر امّا ان تجوز غلطهم ، أو تعتقد صدقهم فان جوّزت خطاءهم لزمك الاعراض عن الدنيا بمجرّد الاحتمال ، فانّك لو كنت جائعا وظفرت بطعام وهممت بأكله فأخبرك صبيّ انّ فيه سمّا أو حيّة ولغت فيه فآسيت الجوع وتركت الأكل وتقول ان كان كاذبا فليس يفوتني الَّا الاكل وان كان صادقا ففيه الهلاك ، فحينئذ كيف يستجيز العاقل الهجوم على الدنيا ولا يحذر من هذا السم الَّذى لم يخبر به الصبىّ ، بل اخبر به جميع الكتب السماوية وأهل الوحي .
وان قلت : انى اعلم ضرورة صدق قول الصنف الآخر وان الموت عدم وانه لا عقاب ولا ثواب وانّ الأنبياء كلَّهم مغرورون ملبّسون وانّما الحقّ ما أقول ، فمن كان هكذا لا ريب في فساد مزاجه وركاكة عقله ولكن معهذا يقال له : ان كنت تطلب الراحة في الدنيا فقط ، فانّ الراحة في الحريّة والخلاص عن قيد الشهوات وما المستريح في الدنيا الَّا تاركها لكثرة عنائها وقيل في حقهم قال اللَّه تعالى : ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا ويَتَمَتَّعُوا ويُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ .