قد يتيسّر في بعض الأوقات وقد يتعذر وكذا الكلام في المطاعم والمناكح ولا يمكن هذا الأمر الَّا بعد تحسين الأخلاق ولعلَّك تظنّ بنفسك حسن الخلق وأنت عاطل عنه وينبغي ان يحكم فيه غيرك وتسأل صديقا بصيرا لا يداهن ، لأنّ أكثر الأخلاق يتعلَّق بالغير ، فبعدان تبيّن لك معائب اخلاقك ، فتبدأ بالأهم فالأهم واوّل ما تدفعه عن نفسك حبّ الدنيا فانّ سائر المعاصي والأخلاق الذميمة تتبعه فاطلب خلوة خالية وتفكر في سبب اقبالك على الدنيا واعراضك عن الآخرة ، فلا تجد له سببا الَّا الشهوة الفانية وانّ أقصى عمرك في الشهوات مائة سنة وقد فاتك ملك لا آخر له وإذا كانت الدنيا مملوّة ذرة وقدّر طائرا في كلّ ألف سنة ويلتقط في كلّ ألف سنة حبّة واحدة ، فيفنى الذرّة ولا يفنى الأبد ، لأنّ الباقي لا نهاية له وجملة عمرك بالإضافة إلى بقائك في الآخرة اقصر من لحظة إلى جميع عمرك ولعلَّك تقول : انّما افعل ذلك على توقّع العفو ، فانّه رحيم كريم فأقول : ولم لا تترك الحراثة والتجارة وطلب المال على توقّع العثور على كنز في خراب ، فان اللَّه كريم وتوقّع العفو مع الحرص على الدنيا وخراب الأعمال ، كتوقّع الكنز في الخراب ، بل ابعد ، مع انّ اللَّه تعالى نبّهك ، فقال : وان ليس للإنسان الَّا ما سعى . ثمّ رغَّبك عن طلب المال فقال : وما من دابّة في الأرض الَّا على اللَّه رزقها . فما بالك تكذب بكرمه في الدنيا ولا تكل عليه ثمّ تخدع نفسك بالكرم في الآخرة وأنت تعلم انّ ربّ الدنيا والآخرة واحد . ولعلَّك تقول : انّ أمور الدنيا قد انكشفت لي بالعيان وامّا امر الآخرة فلم أشاهده ولست أجد التصديق الحقيقي في قلبي فلذلك فترت رغبتي في ترك الدنيا نقدا ، بما هو موعود نسية ولست أثق به . فحينئذ تفكّر في أقاويل أهل البصائر من صدر العالم والناس في امر الآخرة أصناف : صنف - وهم الأكمل والأكثر - اثبتوا الجنّة والنار كما ورد به الكتب السماويّة والاخبار من لدن آدم عليه السّلام إلى نبيّنا صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم وقد سمعت أنواع نعيمها ونكال جحيمها . و صنف لم يثبتوا اللذات والآلام الحسيّة ، بل أثبتوها على سبيل التخيّل كما في المنام حتى يكون كلّ واحد في جنّة أو نار وحده وزعموا