« بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَه لِلَّه » اثبات لما نفوه من دخول ، غيرهم الجنّة : بلى يدخلها من أخلص نفسه للَّه تعالى ولا يشرك به شيئا « وهُوَ مُحْسِنٌ » حال من ضمير اسلم وقد فسّره النبي صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم بقوله : ان تعبد اللَّه كانّك تراه وان لم تكن تراه ، فإنه يراك .
وهذا المعنى حقيقة الايمان « فَلَه أَجْرُه » وثوابه ثابت « عِنْدَ رَبِّه » والعنديّة القرب والتشريف « ولا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ » إذا كانوا بهذه الصفات بنيّات صادقة خالصة عن مطلق الشوائب ولذا قال صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم : انّما الأعمال بالنيّات ، ونيّة المرء خير من عمله . لأنّ المقصود من العمل ، الامتثال للأوامر ، حتى يحصل به تنوير القلب ومعرفة اللَّه ويطهّره عما سوى اللَّه حتى يحصل العبوديّة والنيّة صفة القلب وتأثير صفة القلب أقوى من تأثير صفة الجوارح ، فانّ القلب اشرف الجوارح ، ففعله اشرف الأفعال ، فكانت النيّة أفضل من العمل وبكثرة النيّة ، تكثر الحسنة ، كمن قعد في المسجد وينوى فيه نيّات كثيرة ، مثل ان يعتقد انّه بيت اللَّه ويقصد به زيارة مولاه ، كما قال صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم : من قعد في المسجد ، فقد زار اللَّه وحقّ على المزور إكرام زائره ، ثم ينتظر الصلاة بعد الصلاة ، فيكون حال الانتظار كمن هو في الصلاة . وثالثها اغضاء السمع والبصر وسائر الأعضاء عمّا لا ينبغي ، فانّ الاعتكاف كفّ وهو في معنى الصوم وهو نوع ترهّب ، كما قال صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم : رهبانيّة امّتى القعود في المساجد . ورابعها ان يقصد إفادة علم أوامر من الدين . وخامسها ان ترك الذنوب حياء من اللَّه ، فهذا طريق تكثير النيّة وقس عليه سائر الطاعات والنية تغيّر الموضوع ، مثل انّ التطيب إذا أراد به التنعّم بلذّات الدنيا واظهار التفاخر على الناس أو ليتودّد به إلى قلوب النساء ، فكلّ ذلك يجعل التطيّب معصية وجاء يوم القيامة وريحة أنتن من الجيفة ، كما ورد به الخبر وان كان قصد به الامتثال وتعظيم المسجد ودفع الروائح المؤذية عن عباد اللَّه ، فهو عين الطاعة . والضابط ان يكون الفعل مشروعا ويكون القصد الداعي الحق فقط . ثمّ ان الناوى إذا اشتهى امرا فيقول مثلا عند تدريسه أو تجارته ان ادرس للَّه ، أو اتّجر للَّه ، يظنّ ان ذلك نيّة وهيهات فذاك حديث نفس ، أو حديث لسان والنية بمعزل عن ذلك ، انّما النيّة انبعاث النفس وميلها إلى ما ظهر لها انّ فيه بوجه القربة وذلك