المخاطبين ، أو مفعولا ثانيا ليرودّنكم على تضمينه معنى يصيرونكم « حَسَداً » علَّة لقوله « وَدَّ » اى من أجل الحسد « مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ » ومن قبل ميلهم ومشتهياتهم ، لا من قبل الميل إلى الحقّ والتديّن بل منبعثا من أصل الحسد « مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ » وظهر لهم انّ محمّدا قوله حقّ ورسول لأنّه مذكور في كتابهم على ما رأوا منه المعجزات « فَاعْفُوا » العفو ترك عقوبة المذنب ، يقال عفت الريح المنزل اى درسته . ومن ترك عقوبة المذنب فكانّه درس ذنبه ، حيث انّه ترك المجازاة ، والفرق بين العفو والصفح ، انّه قد يعفو الإنسان المجازاة ولا يصفح ، لأنّ الصفح ترك التقريع باللسان والاستقصاء في اللوم ولذا قال « واصْفَحُوا » وليس المراد بالعفو والصفح في الآية الرضا بما فعلوا بل المراد ترك المقاتلة والاعراض عن مساويهم « حَتَّى يَأْتِيَ اللَّه بِأَمْرِه » ويحكم اللَّه بحكمه الَّذى هو الاذن في قتالهم وضرب الجزية عليهم « إِنَّ اللَّه عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » فيقدر على الانتقام منهم إذا جاء أوانه .
[ سورة البقرة ( 2 ) : آية 110 ] وأَقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ وما تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوه عِنْدَ اللَّه إِنَّ اللَّه بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( 110 ) « وأَقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ » الآية عطف على قوله : فاعفوا ، أمرهم بالعبادة والبرّ من الواجبات بإقامة الصلاة وأداء الزكاة ، عمّ بعد التخصيص ، فأمرهم بالتطوّعات بقرينة « وما تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ » فانّ الخير يتناول اعمال الخير كلَّها ، واجبا كان أو نفلا وقدّم الواجب لعظم شأنه ، فالصلاة قربة بدنيّة والزكاة قربة ماليّة والصلاة شكر الأعضاء والزكاة شكر الأغنياء وما ، في قوله : وما تقدّموا ، شرطيّة : اىّ شيء من أمور الخير تقدّموه وتسلفوه ، فهو لمصلحة أنفسكم و « تَجِدُوه » اى ثوابه وجزائه ، لاعينه ، محفوظا « عِنْدَ اللَّه » في الآخرة ، فتجدوا الثمرة واللقمة مثل جبل أحد ، كما في الحديث : إذا مات العبد ، قال الناس : ما خلف وقالت الملائكة : ما قدّم .
« إِنَّ اللَّه بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ » بأعمالكم لا يخفى عليه القليل ولا الكثير وهو عامّ في الخير والشر والإنسان إذا مات انقطع عمله ، الَّا ان يبقى بعده واحد من الأولاد