لا يؤمن أحدكم حتّى يكون اللَّه ورسوله احبّ اليه ممّا سواهما . قال بعض الأكابر : من ذاق من خالص محبّة اللَّه منعه ذلك من طلب الدنيا واوحشه من جميع البشر . وأكثر المتكلَّمين فسّروا محبّة اللَّه بامتثال أوامر اللَّه وما لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء ولا يناسب طباعنا بوجه من الوجوه ، فكيف نحبّه وانّما يتصوّر منّا ان نحبّ من هو من جنسنا وتحقيق المسألة انّه كلّ لذيذ محبوب يميل النفس اليه واللذّة تتبع الإدراك والإدراك ادراكان ظاهر وباطن وادراك الظاهر بتوسط الحواس الخمس ، لكن ادراك الباطن بتوسّط اللطيفة الَّتى محلَّها القلب ، تارة يعبّر عنها بالعقل وتارة بالنور وتارة بالحس السادس الَّذى خاصيّة الإنسان ونحن نرى ان الإنسان يحبّ الملك الرؤف العادل العطوف على الرعيّة ، كما انّه يبغض الظالم الجاهل الغليظ وكذلك يحبّ الموصوفين بالكمال مثل الأنبياء والصلحاء ويجد الإنسان في نفسه هزّة وارتياحا وميلا إلى هذه الطبقة ، بل يوجبون على أنفسهم الذّب عنهم وبذل المال لهم وفي سبيلهم ، ثمّ إذا أحببت هؤلاء لهذه الصفات الحسنة وعلمت انّ النبىّ صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم كان اجمع منهم لهذه الخصال ، كان حبّك له اشدّ بالضرورة ، فإذا رفعت نظرك الآن من النبىّ إلى مرسل النبي وخالقه والمتفضّل على الخلق ببعثته لعرفت انّ بعثة الأنبياء حسنة من حسناته وقطرة من بحر علمه وقدرته تعالى ، فانّ الأنبياء مع هذه الأوصاف الحسنة مربوبون ، لأقوام لهم بأنفسهم ولا يملكون موتا ولا حيوة ولا رزقا ولا أجلا . والكلّ تحت قبضته فحينئذ كيف يمكنك ان لا تحبّ خالقك الذي محيط ومحسن على الذرّة والدرّة وتأمّل : هل لا لأحد في العالم احسان إليك سوى اللَّه ، وهل لك لذّة وتنعّم في شيء وميل على نعمة الَّا واللَّه خالقها وخالق الشهوة إليها والتلذّذ بها ، فلا تكوننّ أقل من الكلب ، فانّه يحبّ صاحبه الَّذي يحسن اليه فإن لم تقدر ان تحبّه لجلاله وعظمته وجماله كما تحبّه الملائكة فانظر إلى لطف صنعه في أعضائك لحبّه بإحسانه إليك ، فتكون اقلا من عوام الخلق وأعظم نعم اللَّه علينا رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم « هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ » وبوجوده صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم تمت النعم ولو كنت تعرف حقيقة هذه النعمة العظيمة لكنت تبذل روحك بذكر اسمه مرّة واحدة وزادت درجة محبتك والقلب لسليم غير غافل عن هذه المعرفة وكما انّ