كان مشيّقا منذ زمان ان يرى الخضر وكان لهذا الأمر قرب عشرين سنة ، كان يخرج كلّ صباح إلى المقابر ويقرء جزوا من الكتاب الكريم ، ثمّ يرجع ، قال إلى أن اتّفق يوما في الطريق ، رأيت شيخا نورانيا ، فسلَّم علىّ ، فقال : هل تحبّ ان اصاحبك إلى المقابر ، فصاحبني ، فاشتغلت بكلامه إلى أن رجعت ، فلمّا وصلنا إلى باب البلدة ، قال لي : كنت تشتاق ان ترى الخضر ، فنلت إلى مرامك اليوم ، لكن بمصاحبتي فاتك قراءة الجزء وهاك نصيحة ، فعليك بالاعتزال وغاب عنّى ، وأبو بكر هو الَّذى مات ابنه لمّا سلَّمه إلى المعلَّم لقراءة القرآن ، فلمّا وصل إلى هذه الآية « يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً » غلب الخوف على هذا الطفل ، بسبب قراءة هذه الآية إلى أن مرض وتوفّي .
وأنت تسعى في عمرك لدفع ضرّ أو جلب نفع لئلا تحتاج لتمتّع من نيل مشتهياتك مع انّ ما هو سبب عزتك ونيلك الشهوات سبب ذلَّتك في الآخرة وطول الحساب ، فاخلع نعليك وفرّغ قلبك عن علائق الدنيا ، حتّى تصل إلى واد المقدّس من القرب من غير مانع ، فانّ النعلين حاجبتان بين مساس رجليك وبساط القرب ولا تتجوهر النفس الَّا بزوال الاعراض الفاسدة من الشهوات ، فاجهد في العمل ولا تجحد ، لكن تستبعد هذا المعنى والحقّ معك لأنّك معصّب العين بعصابة حطام الدنيا ولذا همّتك ضعيفة ، اين كثافة الكثيف والمقام الشريف وأول ما عليك استماع الزواجر والآيات المخوّفة الرّادعة القرآنيّة ، هذا إذا كنت مبتديا وان كنت منتهيا ، فالوعديّة والتشويقيّة ، كما قيل : خوّفوا المبتدي وشوّقوا المنتهى فانّه لا بدّ للجمل من حاد لقطع البوادي .
أنت ارضىّ والأرض تحيى بوابل المطر ، فتربو وتنبت ، ثمّ ان كنت كثير الأكل قلَّل في أكلك شيئا فشيئا ، فلو يصعب عليك هذا الأمر لأنّ العادة طبيعة خامسة ، فزن اوّل يوم مأكلك بعود رطب ، فأنقص كلّ يوم على قدر جفاف العود واذكر الحديث : أكثركم شبعا في الدنيا ، أطولكم جوعا يوم القيامة ، فكن من أصحاب اليمين ان لم تكن من المقرّبين واعلم انّه ما بينك وبين القيامة الَّا ايّاها ، فانّه جميع ما في الكبرى ، في الصغرى ، لكن في الكبرى اشدّ ، فاجمع بين المقال والحال والعلم والعمل واتبع الراسخين في العلم وعلماء الآخرة الذين ليس لهم رغبة في هواهم ولا يطلبون الدنيا