وذلك لأنّ السحرة كثرت في ذلك الزمان واستنبطت أبوابا غريبة في السحر وكانوا بذلك يدّعون النبوّة والناس يصدّقونهم بالنبوّة ، فبعث اللَّه هذين الملكين ليعلَّما الناس أبواب السحر ، حتّى يتشخّص السحر عن المعجزة ، فلهذه الحكمة انزل السحر على الملكين ، لأنّ التشخيص بين المعجزة والسحر متوقّف على العلم بماهيّة السحر ، فبعث اللَّه هذين الملكين لتعريف ماهيّة السحر وقد نهيا الناس عن اعماله بقولهما : انّما نحن فتنة ، فلا تكفر ايّها المتعلَّم بعمله وهذا من أحسن الأغراض وأحسن الوجوه . وأنكر أبو مسلم في الملكين ان يكون السحر نازلا عليهما وقال :
انّ السحر لو كان نازلا عليهما ، لكان منزله هو اللَّه وذلك غير جائز لأنّ السحر كفر وعبث ولا يليق به إنزال ذلك ، لأنّ قوله تعالى ولكنّ الشياطين كفروا يعلَّمون الناس السحر ، يدلّ على انّ تعليم السحر كفر ، فلو ثبت في الملائكة انّهم يعلَّمون السحر ، لزمهم الكفر وذلك باطل والسحر لا يضاف الَّا إلى الكفرة والفسقة والشياطين ، فكيف يضاف إلى اللَّه ما ينهى عنه ويتوعّد عليه العذاب وقد أجيب عن قول أبى مسلم قبيل هذا .
وبالجملة فعلى كونهما من الملائكة قالوا في سبب نزولهما واختلفت الروايات في هذه القضيّة ، حتّى في رواياتنا الخاصّة ، فبعض منها يدلّ على وقوعها وبعض على عدم وقوعها كما في الصافي ، قال الراوي : قلت لأبي محمّد الرضا صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم فانّ قوما عندنا يزعمون انّ هاروت وماروت ، ملكان من الملائكة ، فانزلهما اللَّه إلى الدنيا وانّهما افتتنا بالزهرة وأرادا الزنا بها وشربا الخمر وقتلا النفس المحرّمة وانّ اللَّه يعذّبهما ببابل وانّ السحرة منهما يتعلَّمون السحر وانّ اللَّه مسخ تلك المرأة بهذا الكوكب الَّذى هو الزهرة ، فقال الامام : معاذ اللَّه من ذلك ، انّ ملائكة اللَّه معصومون ، محفوظون من الكفر والمعاصي بألطاف اللَّه ، قال اللَّه تعالى فيهم ، لا يعصون اللَّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وقال اللَّه تعالى ، بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون . وعن الرضا عليه السّلام ، انّه سئل عمّا يرويه الناس من امر الزهرة وانّها كانت امرأة فتن بها هاروت وماروت وما يروونه من امر سهيل انّه كان عشارا باليمن ،