تأمّل في وصيّة رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم لمعاذ بن جبل : أوصيك بتقوى اللَّه وصدق الحديث وخفض الجناح والوفاء بالعهد وترك الخيانة وصلة الأرحام ورحمة الأيتام ولين الكلام وبذل السلام وحسن العمل وقصر الأمل والتفقّه في الدين وتدبّر القرآن وذكر الآخرة والحرج من الحساب وكثرة ذكر الموت ولا تسب مسلما ولا تطع آثما ولا ترض بقبيح تكن كفاعله واذكر اللَّه عند كلّ شجر ومدر وبالأسحار وعلى كلّ حال ، فان اللَّه ذاكر من ذكره وشاكر من شكره وجدّد لكل ذنب توبة : السرّ بالسرّ والعلانية بالعلانية . واعلم : انّ أصدق الحديث ، كتاب اللَّه . وأوثق العرى التقوى . وأحسن القصص القرآن . وشرّ الأمور محدثاتها .
وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى . وخير العلم ما نفع . واليد العليا خير من يد السفلى . وما قلّ وكفى خير ممّا كثر والهى . وشرّ المعذرة عند الموت . وشرّ الندامة يوم القيامة . ومن أعظم خطايا اللسان الكذب . وخير الغنى غني النفس . ورأس الحكمة مخافة اللَّه في السرّ والعلانية . وانّ جماع الإثم ، الكذب والارتياب . والنساء حبائل الشيطان . والشباب شعبة من الجنون . وشرّ الكسب كسب الريا . وشرّ المآثم أكل مال اليتيم . وليس لجسم نبت على الحرام الَّا النار . ومن تغذّى بالحرام فالنّار أولى له ولا يستجاب له دعاء .
أقول : تأمّل في جوامع كلماته وقد بيّن صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ، جميع مراتب الحكمة النافعة لك في دينك ودنياك ، مثل انّه نهى صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم عن الشرك الخفي ، وهذا الشرك وان كان لا يذهب بأصل الايمان بان يكون صاحبه مشركا ويترتّب عليه احكام الكافر ، لكن يقع في حقيقة الايمان عيب ونقص كالذهب المخلوط بالحديد ، فيكون قليل القيمة وان كان ذهبا . وخفايا معايب الشرك الخفّى كثيرة ، فيطلب صاحبه الشرف والتعزّز من هذا الفعل الشنيع من الناس ، فيعجب بمدح الناس ايّاه ويطلب النفع بسبب هذا الرياء من غير اللَّه . ويتوسل في دفع الضرر عن نفسه من غير اللَّه ، مع انّه لا معطى لما منع ولا مانع لما اعطى . ودقائق الرياء والشرك الخفي خفية جدا ، قال صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم :
الشرك أخفى في أمتي من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء . فانّ النمل إذا دبّ