فليكن بلاغك من الدنيا كزاد الراكب والزائد يلهى عن ذكر اللَّه ، قال اللَّه تعالى :
ألهيكم التكاثر . والخطب الأعظم انّه ما من غنى إلَّا ويدّعى أنّ ما في يده مقدار كفايته وضرورته . ولم يعرف مقدار الضرورة لكثرة شهواته مع انّ الضرورة في المطعم والملبس والمسكن ، وقد عيّن الحذّاق من أطبّاء الدين مقدارها وهو أنّه إن تركت التجمّل في الملبس فيكفيك في السنة ديناران لشتائك وصيفك ، وكذلك ان تركت التنعّم في مطعمك فيكفيك في كلّ يوم مدّ ويكفيك لادامك ان اقتصرت على القليل في بعض الأوقات ثلاثة دنانير في السنة ، فإذا مبلغ ضرورتك خمسة دنانير وخمسمائة رطل وإذا كنت معيلا فكذلك القياس ، لكن لما كان لا يحتمل بعض الأشخاص القناعة بالقدر الذي قدّره الزاهدون ولا حرج في الدّين فلهم الضعف في هذا المقدار . ولا يخرج عن حزب أبناء الاخوة ما دام يقصد بذلك دفع الألم الشاغل عن ذكر اللَّه والعبادة ومعلوم ان فائدة البذل أعظم من فائدة الإمساك ، لأنّ إمساك المال إن كان للتنعّم في الشهوات فتلك سجيّة البهائم وإن كان يتركه لولده ويحرم نفسه مع أنّه هو أولى به ، خصوصا إذا كان الولد فاسقا يستعين بذلك المال على المعصية فيكون معدّ الأسباب المعصية والكمال الحقيقي ، الحريّة وهو انقطاع علائق الدنيا وما يفارقك بالموت .
« فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ ولا هُمْ يُنْصَرُونَ » : ولا يمنعون ولا ينصرون بدفعه عنهم بشفاعة وانتصار .
[ سورة البقرة ( 2 ) : آية 87 ] ولَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِه بِالرُّسُلِ وآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وأَيَّدْناه بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وفَرِيقاً تَقْتُلُونَ ( 87 ) « ولَقَدْ آتَيْنا » : هذا نوع آخر من مقابلة النعم بالكفران من اليهود : اى باللَّه لقد أعطينا يا بني إسرائيل « مُوسَى الْكِتابَ » : اى التوراة جملة واحدة ، قال ابن عباس : انّ التوراة لما نزلت ، أمر اللَّه تعالى موسى بحملها ، فلم يطق ذلك ، فبعث