في الآية لاستبعاد القسوة ، من بعد ذكر ما يوجب لين القلوب ورقّتها - والقساوة ذهاب اللَّين والرأفة عن القلب والصلابة في كلشيء . « مِنْ بَعْدِ ذلِكَ » : اى من بعد سماع ما ذكر مما ورد باسلافكم ، من احياء القتيل ومسخ القردة والخنازير ورفع الجبل والقوارع الَّتي من عظمتها تميع الجبال والصخور ، « فَهِيَ » : اى القلوب ، « كَالْحِجارَةِ » : في شدّتها وقسوتها والفاء لتفريع مشابهتها لها في القساوة ، كقولك : احمرّ خدّك فهو كالورد « أَوْ أَشَدُّ » منها « قَسْوَةً » : تميز . و « أو » يجوز أن يكون بمعنى التخيير : اى ان شئتم فاجعلوها اشدّ منها مثل الحديد ، فأنتم مصيبون في ذلك وانّما لم تحمل على معنى أصلها وهو الترديد ، لما انّ ذلك على اللَّه محال ، أو يكون بمعنى بل ، قال الشاعر :
فو اللَّه ما أدري أسلمى تغوّلت أم النّوم أم كلّ إلىّ حبيب اى : بل كلّ وانّما أتى بكلمة « أَشَدُّ » مع انّ فعل القسوة ممّا يخرج منه افعل التفضيل وفعل التعجّب ، لكونه أبين على فرط القسوة من لفظ أقسى .
اعلم انّ اللَّفظ كالصورة ، والمعنى كالروح ، فان اتّفقا وقع الكمال في الكلام ولذا قد يؤتى في شعر واحد بكلمة مكرّرة وهي حسنها وبالعكس ، مثل قول المعرى :
الرّسل احمد أوصافا واحمدهم في الوصف احمدنا وفي الآية صنعة الجمع مع التفريق .
« وإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ » : بيان لقساوة قلوبهم « لَما يَتَفَجَّرُ » واللام للتأكيد :
اى الحجر يتفجّر ويتفتّح « مِنْه » : راجع إلى ما ، اى انّ بعض الأحجار يتفجّر منه « الأَنْهارُ » جمع نهر وهو المجرى الواسع « وإِنَّ مِنْها » : من الحجارة « لَما يَشَّقَّقُ » ويتصدّع « فَيَخْرُجُ مِنْه الْماءُ » : والمراد بالشقوق ، العيون الَّتى تخرج من الشقوق والإصداع ، دون الأنهار « وإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ » . اى يتردّى وينزل من أعلى الجبل إلى أسفله « مِنْ خَشْيَةِ اللَّه » : وهنا مجاز عن انقيادها لأمر اللَّه وقلوب هؤلاء اليهود ومن سلك مسلكهم لا تنقاد ولا تلين ولا تخشع « ومَا اللَّه بِغافِلٍ » ، بساه وذاهل « عَمَّا تَعْمَلُونَ » : قالت المعتزلة : خشية الحجر وجه المثل ، يعنى لو كان له عقل لفعل