تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ، فيا ايّها المغرور ، من اين لك هذا الاطمينان ، كانّك ما عصيت اللَّه قط ! ! بلى ، التفرج إلى هذه المتنزّهات والسينمايات اذهب عن قلبك الخوف ، بدّلت زيارة المقابر الموجبة للتنبّه ، بموجبات الغفلة وكان السلف إذا رجعوا من زيارة المقابر ، يستعدّون للتزوّد وهم كالحيارى قال بعض السلف : رأيت شابّا راجعا من الجبانة وصعد في سفح جبل وعليه آثار الغلق ودموعه جارية ، فقلت من أنت ومن اين ، فقال الشابّ : آبق من مولاه ، فقلت : يعود العبد الآبق فيعتذر ، فقال : العذر يحتاج إلى حجّة - ولا حجّة للمفرّط ، قلت : فيتعلَّق بشفيع ، فقال : كلّ الشفعاء يخافون منه ، قلت : من مولاك ، قال : ربّاني صغيرا فعصيته كبيرا ، فوا سوأتاه من حسن صنيعه وقبح فعلى ، ثم صاح ووقع فمات ! ! فخرجت عجوز ، فقلت لها : أقيم عندك أعينك على غسله وتجهيزه ، فقالت : خلَّه ذليلا بين يدي قاتله ، عسى يراه بغير معين ، فيرحمه . والعجب انّ واحدنا يصلَّى خمسين سنة وهو يقول في كلّ يوم : اهدنا الصراط المستقيم وهو باق على طريق الفساد ، مع انّ الصلاة صلة بين العبد والربّ وأنت منقطع عنه ومالك من هذه الصلة عائد وهاك نصيحة وهاك مثالا آخر للدنيا ، فانّها نهر طالوت وانّ اللَّه مبتليكم به ، فمن شرب منه فليس منّي الَّا من اغترف وقنع بكفّ عنه واقتصر بسدّ جوعته وستر عورته ، ففاز ونجى ومن لم يقنع فالأمر صعب جدّا ، كما انّ جيش طالوت ما قنعوا وهلكوا ، فانّ مراتب النفس أربعة : نفس النامية النباتية - ونفس الحسيّة الحيوانيّة - ونفس الناطقة القدسيّة - ونفس الكليّة الالهيّة - وهذه الأخيرة الكاملة وهي بقاء في فناء - ونعيم في شقاء - وعزّ في ذلّ - وصبر في بلاء - وفقر في غناء ومعلوم انّ هذه الملكات صعب جدّا وهيهات وأين الثريا من يد المتناول !
قوله تعالى : [ سورة البقرة ( 2 ) : آية 74 ] ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْه الأَنْهارُ وإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْه الْماءُ وإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّه ومَا اللَّه بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ( 74 ) « ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ » : خطاب لأهل عصر النبىّ من الأحبار وأهل الكتاب وثم