نفس واحدة ، قدر على احياء الأنفس كلَّها - وتعلمون انّ المؤثّر ، هو اللَّه ، لا الأسباب فهو تعالى إذا أراد ، يجعل الأثر في الأسباب ، ولو لم يكن لها تأثيرات أبدا ، فإنّ الموتين الحاصلين في الجسمين لا يعقل ان يتولَّد منهما حياة ، جلَّت قدرته تعالى .
قال بعض أهل المعرفة : انّما جعل اللَّه احياء المقتول في ذبح البقرة ، تنبيها لعبيده ، انّ من أراد منهم احياء قلبه ، لم يتأتّ له الَّا باماتة نفسه ، فمن ذبحها بأنواع العبادات والرياضات المشروعة وأعظمها الورع من المحرّمات والشبهات ، أحيى اللَّه قلبه بأنوار المشاهدات ، فمن مات بالطبيعة ، يحيى بالحقيقة ويجب علينا ان نتقيّد باحياء نفوسنا بالحياة الحقيقيّة ، لا الحياة البقريّة ، فانّ المنظر الإلهي انّما هو القلوب والأعمال ، لا القصور والأموال ، كما ورد في الحديث : إنّ اللَّه لا ينظر إلى صوركم وأحوالكم ، بل إلى قلوبكم وأعمالكم والعاقل من دان نفسه وعمل لما بعد الموت وما يعقل ذلك الَّا العالمون وايّاك ان تغترّ في دنياك بساعة سرور أدركته ، أو بسرير ملكته ولو كان ذلك السرير والسرور ايّام عمرك ، فانّه بالنسبة إلى عمرك . في الآخرة اقلّ من ساعة وقد مثّلوا للدنيا بالمياس ، امّا يكون ضيقا حرجا ، أو واسعا منفرجا ، ان ضاق فمرحبا بالحفا وان رحب فموجب الصقع على القفا ، الضيق يفرّج الكعوب والعرقوب والرحب يغيّر الذيول والجيوب ، انظر إليها بعين الاعتبار وطالعها فانّها صحيفة أبنائك وخالعها فهي حليلة آبائك واغتنم فؤادك الفاحم قبل ان يبيض واحذر من جدار يريد ان ينقض ، امنيّة جوفاء ، ووارمة عجفاء يؤذيك اعباؤها ولا بدّ فيك عباؤها ، لا يغرنك قطفها النضيج ، فهو غيث أعجب الكفّار نباته ثمّ يهيج ، هب انّك صرفت عمرك في تحصيل الدنيا وملكت الدنيا بأسرها ، فهل تبقى لك أو تبقى لها وبعد ان ملكتها ، مثلك معها ، مثل الفارة والجمل ، فأخذت الفارة بخطامها إلى جحرها ، فلمّا وقف الجمل إلى باب بيتها ، نادى بلسان حالها : امّا ان تتّخذي دارا تليق بمحبوبك ، أو محبوبا يليق بدارك ، فيا أقل من الطائر ، فانّ الأنثى متى ما علمت أنها حملت ، نقلت العيدان لبناء العش قبل الوضع وأنت ما مهّدت لقبرك فراشا وضيّعت ايّام فرصتك بالملاهي والمعاصي ، أو بالمباحات التي لا طائل لك فيها ، اما سمعت قول اللَّه تعالى : اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّه بِما