كان لأمّة عظيمة غير نبيّنا محمّد صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ، وامّا دعاء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فكان لرسولنا لمّا فرغا من بناء الكعبة ، فهو قوله ربّنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلَّمهم الكتاب والحكمة ويزكّيهم انّك أنت العزيز الحكيم ، ولهذا كان يقول صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم انا دعوة إبراهيم ( ع ) وبشارة عيسى ( ع ) ، وهو قوله ومبّشرا برسول يأتي من بعدي اسمه احمد صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ، قال المسيح للحواريّين : انا اذهب وسيأتيكم الفارقليط روح الحقّ الَّذى لا يتكلَّم من قبل نفسه والفارقليط معناه الَّذى يميّز بين الحقّ والباطل وقيل : معناه الشافع المشفّع وهذه الكلمة فاروقليط وفاروق المميّز ، وليط معناه التحقيق في الأمر .
( فائدة ) ولو قيل لو كان الأمر كما قلتم ، فكيف يجوز من جماعتهم جحد هذا الأمر ، فالجواب انّ هذا العلم كان نصّا خفيّا لا جليّا في أغلب آياته ، فجاز إيقاع الشكوك والشبهات فيه ، ودواعي إيقاع الشبهات كانت لأهلها كثيرة ، وأيضا انّ هذا العلم كان حاصلا عند العلماء بكتبهم ، لكن لم يكن لهم العدد الكثير ، فجاز منهم كتمانه انتهى .
قوله : و « آمِنُوا » يا بني إسرائيل « بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ » من كتاب ورسول تجدونه مكتوبا في التوراة والإنجيل ، اى حالكون القرآن مصدّقا للتوراة ، ومذكور في القرآن انّ موسى وعيسى حقّ ، وانّ التوراة والإنجيل حقّ ، فكان الايمان بالقرآن مؤكّدا للايمان بالتوراة والإنجيل ، هذا أحد الوجهين في تفسير مصدّقا لما معكم ، والوجه الثاني : انّه حصلت البشارة بمحمّد صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم وبالقرآن في التوراة والإنجيل ، فالإيمان بمحمّد صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم والقرآن ، ايمان وتصديق للتوراة والإنجيل ، وتكذيب محمّد صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم والقرآن ، تكذيبا للتوراة والإنجيل ، والوجه الثاني انسب .
« ولا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِه » : اى بالقرآن ، فانّ وزر المقتدى يكون على المبتدي ، فان قيل كيف قال اوّل كافر وقد سبقهم مشركو العرب : اى لا تكونوا اوّل كافر به من أهل الكتاب ، وقيل وجه آخر وهو انّ هذا تعريض لهم بانّه كان يجب ان يكونوا اوّل من يؤمن ، لمعرفتهم بخبر نزول القرآن ، لأنّهم كانوا هم المبشّرون بمحمّد صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم وبكتابه ، فلمّا بعث كان أمرهم على العكس ، لقوله : فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا وقيل ولا تكونوا مثل اوّل كافر به ، وقيل الضمير راجع إلى كتابهم ، يعنى لا تكونوا