ما كان منهم لكنّه كان من إخوانهم لأنّه من ولد إسماعيل الَّذى هو أخو اسحق ، فان قيل قوله من بينكم يمنع من أن يكون المراد محمّدا صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم لأنّه لم يقم من بين بني إسرائيل ، قلنا بلى : قد قام من بينهم لأنّه ظهر بالحجاز فبعث بمكّة ، وهاجر إلى المدينة ، وبها تكامل امره ، وقد كان حول المدينة بلاد اليهود كخيبر وبنى قينقاع والنضير وغيرهم والحجاز يقارب الشام وجمهور اليهود كانوا ، إذ ذاك ، هناك ، فإذا قام محمّد صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم بالحجاز ، فقد قام من بينهم ، وأيضا فانّه إذا كان من إخوانهم ، فقد قام من بينهم ، فانّه ليس ببعيد منهم وقال في الفصل العشرين من هذا السفر : انّ الرّب تعالى جاء في طور سيناء ، وو طلع لنا من ساعير وظهر من جبال فاران ، وصفّ عن يمينه عنوان القدّيسين ، فمنحهم العزّ ، وحبّبهم إلى الشعوب ، ودعا لجميع قدّيسيه بالبركة ووجه الاستدلال انّ جبل فاران هو بالحجاز لأنّه مذكور في التوراة : إنّ إسماعيل ( ع ) تعلَّم الرومي في بريّة فاران ، ومعلوم انّه انّما سكن بمكّة ، إذا ثبت هذا فقوله فمنحهم العزّ لا يجوز ان يكون المراد إسماعيل ( ع ) لأنّه لم يحصل عقيب سكنى إسماعيل هناك عزّ ولا اجتمع هناك ربوات المقدّسين ، فوجب حمله على محمّد صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ، قال الرازي : وفي كتاب حبقوق بيان ما قلنا ، وهو جاء اللَّه من طور سيناء والقدس من جبل فاران ، لو انكشفت السماء من بهاء محمّد صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم وامتلأت الأرض من حمده ، يكون شعاع منظره مثل النور ، يحفظ بلده بعزّه ، تسير المنايا امامه ويصحب سباع الطير اجناده ، قام فمسح الأرض ، وتأمل الأمم ، وبحث عنها ، فتضعضعت الجبال القديمة ، واتضعت الروابي الدهريّة ، وتزعزعت ستور أهل مدين ، ركبت الخيول ، وعلوت مراكب الانقياد والغوث وستنزع في قسيك إغراقا ونزعا ، وترتوى السهام بأمرك يا محمّد ارتواء وتخور الأرض بالأنهار ولقد رأتك الجبال فارتاعت ، وانحرف عنك شؤبوب السّبل ونفرت المهارى نفيرا ورعبا ، ورفعت أيديها وجلا وفرقا ، وتوقّفت الشمس والقمر عن مجراهما ، وسارت العساكر في برق سهامك ولمعان بيانك ، تدوخ الأرض غضبا ، وتدوس الأمم زجرا ، لأنّك ظهرت بخلاص أمّتك وإنقاذ تراب آبائك ، هكذا نقل عن ابن رزين الطبري .
قال الرازي : وامّا النصارى فقال أبو الحسين في كتاب الغرر قد رأيت في نفولها