حسبما نعت في التوراة ، فانّ ايمانهم بما معهم ممّا يقتضى الايمان بالقرآن .
قال الرازي : قد أثبت في التوراة وفي الكتب المتقّدمة من وصف محمّد صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم وكتابه ، والبشارة بمقدمه مثل ما جاء في الفصل التاسع من السفر الأوّل من التوراة ، انّ هاجر لمّا عضبت عليها سارة ، تراءى لها ملك ، فقال لها يا هاجر ، انّى تريدين ، ومن اين أقبلت ، قالت اهرب من سيّدتى سارة ، فقال لها : ارجعي إلى سيّدتك ، واخفضى لها ، فان اللَّه سيكثر زرعك وذرّيتك ، وستحبلين وتلدين ابنا وتسمّيه إسماعيل من أجل انّ اللَّه سمع تبّتلك وخشوعك ، وهو يكون عين الناس ، ويكون يده فوق الجميع ويد الجميع مبسوطة اليه بالخضوع ، ومعلوم انّ إسماعيل وولده لم يكونوا متصرّفين في معظم الأمم ، ولا كانوا مخالطين للكلّ على سبيل الاستيلاء بحيث يكون يده فوق الجميع ، وانّهم كانوا قبل الإسلام محصورين في البادية ولا يتجاسرون على الدخول في أوائل العراق وأوائل الشام ، الَّا على خوف ، وليس يجوز أيضا للملك ان يبشّر من قبل اللَّه بالظلم والجور بناء على انّ من أولاد إسماعيل من العرب كان فيهم مستولين بالغلبة والجاهليّة ، فلو لم يكن النبىّ صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ذلك المبشّر ، لكانت هذه المخالطة منهم للأمم ، ومن الأمم منهم معصية للَّه وخروجا عن طاعة اللَّه إلى طاعة الشيطان ، والملك يتعالى من أن يبشّر بما هذا سبيله ، فتحقّق انّ المراد من بشارة الملك وجود محمّد صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم الَّذى من نسل إسماعيل ، وأيضا جاء في الفصل الحادي عشر من السفر الخامس : انّ الرّب إلهكم يقيم لكم نبيّا مثلي من بينكم ، ومن إخوانكم ، وفي هذا الفصل : انّ الربّ تعالى قال لموسى انّى مقيم لهم نبيّا مثلك من بين إخوانهم ، وايّما رجل لم يسمع كلماتي الَّتى يؤدّيها عنّى ذلك الرّجل باسمي أنا أنتقم منه ، وهذا الكلام يدلّ على انّ النّبى الَّذى يقيمه اللَّه ليس من بني إسرائيل ، كما انّ من قال لبنى هاشم انّه سيكون من إخوانكم امام ، فهم من هذا الكلام انّه لا يكون من بني هاشم ، ثمّ انّ يعقوب هو إسرائيل ولم يكن له أخ الَّا العيص : ولم يكن للعيص ولد من الأنبياء سوى ايّوب ، وانّه كان قبل موسى ، فلا يجوز ان يكون موسى مبشّرا به ، وامّا إسماعيل فانّه كان أخا لإسحاق والد يعقوب ، ثمّ انّ كلّ نبىّ بعث بعد موسى ، كان من بني إسرائيل ، فالنّبى صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم