وانّما لم يقل عليهما للتغليب كقوله « واللَّه ورَسُولُه أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوه » .
ومعنى التوبة : الرجوع فإذا وصف به العبد كان رجوعا عن المعصية إلى الطاعة ، وإذا وصف به الباري أريد به الرجوع عن العقوبة إلى المغفرة قال ابن عباس : بكى آدم وحواء على ما فاتهما من نعيم الجنّة مائتي سنة ، ولم يأكلا ولم يشربا ، أربعين يوما ولم يقترب آدم حوّاء مائة سنة ، قال شهر ابن حوشب : بلغني انّ آدم لمّا هبط إلى الأرض مكث ثلاثمائة سنة ، لا يرفع رأسه ، حياء من اللَّه تعالى ، قالوا لو انّ دموع أهل الأرض جمعت ، لكانت دموع داود أكثر حيث أصاب الخطيئة ، والمراد بالخطيئة ترك الأولى ، ولو انّ دموع داود ودموع أهل الأرض جمعت لكانت دموع أدم أكثر ، فإذا كان حال من اقترف دون صغيرة وهو ترك الأولى ، فكيف حال من انغمس في بحر العصيان والكبائر ، ومعذلك فقد جعل اللَّه برحمته لهذا الدرن والوسخ صابونا يزيله بشرط الرجوع والإصلاح بالعمل الصالح فانّه يمحو الخطيئات وانّه تعالى يجيب المضطرّ إذا دعاه ويكشف السوء .
قال الغزاليّ : التوبة يتحقّق في ثلاثة أمور ، علم ، وحال ، وعمل ، امّا العلم : فهو معرفة ما في الذنب من الضرر وكونه حجابا بين العبد ورحمة الرّب فإذا عرف ذلك معرفة محقّقه حصل له من هذه المعرفة تألمّ القلب بسبب فوات هذا المحبوب ، فإذا كان فواته بفعل من جهته تأسّف ، فذلك التأسّف يسمّى ندما ، وذلك التأسّف والندم له تعلَّق بالماضي والحال والمستقبل ، امّا تعلَّقه بالحال فيترك الذنب الَّذى كان ملابسا له ، وامّا بالمستقبل فالعزم على ترك ذلك الفعل المفوّت للمحبوب إلى أخر العمر ، وامّا بالماضي فيتلافى ما فات بالجبر والقضاء ان كان قابلا للجبر ، فالعلم والندم والقصد المتعلَّق بالترك في الحال والاستقبال ، وتدارك ما فات بالقضاء والجبران معان مترتّبة في الحصول ويصدق اسم التوبة على مجموعها ، وقد يطلق اسم التوبة على معنى الندم وحده ، ويجعل العلم السابق كالمقدّمة ، والترك كالثمرة ، وبهذا الاعتبار قال صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم الندم توبة إذ لا ينفك الندم عن علم أوجبه ، وعن عزم يتبعه ، وقيل ، لا بدّ في التوبة من ترك ذلك الذنب ، ومن الندم على ما سبق ، ومن العزم على عدم العود إلى مثله ، ومن الإشفاق فيما بين ذلك كلَّه