بالذكر لأنّهم أكثر ، وأجاب القائلون بانّه من الملائكة عن الاحتجاج الأول بانّ قوله من الجنّ بانّ الجنّ جنس من الملائكة لاجتنانهم عن العيون ، وعن الثاني وهو قوله لا يعصون اللَّه ما أمرهم بانّه صفة لخزنة النيران لا لجميع الملائكة ، ولا يوجب عصمة لغيرهم ، وعن الثالث بانّه يجوز ان يكون اللَّه ركّب في إبليس شهوة النكاح تغليظا عليه في التكليف وان لم يكن لسائر الملائكة ، أو بعد ان أهبطه اللَّه إلى الأرض تغيّرت بنيته ، وأمّا أنّ الملائكة خلقوا من النور ، والجنّ من النار ، والنار والنور سواء « فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ » أبى واستكبر اللعين عن السجود ، وإبليس ، قيل اسم أعجميّ ، لا ينصرف للعلمية والعجمة ، وقيل إنه عربىّ مشتق من الإبلاس ، ووزنه افعيل ، وله نظائر في لغة العرب كإذميل للشفرة واعريض للطلع ، واضريح لصبغ احمر ، وسيف اصليب ، ماض كثير الفرند ، وثوب اضريج مشبع الصبغ ، وقيل انّه اسم كان أعجميّ فعرّب وسبيله سبيل إنجيل في انّه معرّب غير مشتق ومنصوب على الاستثناء المتّصل من الكلام الموجب ، أو المنقطع على اختلاف القول في المسألة .
الاستثناء من المحسّنات البديعيّة لكن ليس كلّ استثناء بل يشترط فيه اشتماله على معنى يزيد على المعنى الاستثناء اللغوي والَّا لم يكن من البديع ، مثل قوله تعالى فسجد الملائكة ، فان في هذا الكلام معنى زائد على معنى الاستثناء اللغوي وهو تعظيم امر الكبيرة الَّتى ارتكبها اللعين ، من خرق اجماع الملائكة المؤكّدين بلفظ كلّ واجمع وذلك مثل قولك امر الأمير بالمثول بين يديه فامتثل امره جميع الناس من وزير وأمير الَّا فلانا ، فأنت ترى ما في هذا التعبير معصية هذا العاصي ، وليس كذلك قولك امر الأمير بكذا فعصى فلان .
قال صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم : خلقت الملائكة من نور ومن شأن النور الانقياد والطاعة ، واوّل من سجد جبرئيل ، فأكرم بانزال الوحي على النبيّين ، ثمّ ميكائيل ، ثم إسرافيل ثمّ عزرائيل ، ثمّ ساير الملائكة ، وقيل اوّل من سجد إسرافيل فرفع رأسه ، وقد ظهر كلّ القرآن مكتوبا على جبهته كرامة له على سبقه إلى الائتمار ، والفاء في قوله « فَسَجَدُوا » لإفادة مسارعتهم إلى الامتثال الَّا إبليس مرّ شرحه فما سجد