استيناف واقع موقع الجواب ، كانّه قيل فماذا قالت الملائكة حينئذ ، هل خرجوا من عهدة ما كلَّفوه ، فقالوا سبحانك لا علم لنا ، قيل ، سبحان ، علم للتسبيح ، ولا يكاد يستعمل الَّا مضافا ، وقد يجيء غير مضاف على الشذوذ ، وغير منصرف للتعريف ، والألف والنون ، المزيدتين ، وقيل مصدر منكر ، لا اسم ، كغفران ، ومعناه على الأول : نسبّحك عمّا لا يليق ، وعلى الثاني : تنزهت عن ذلك تنزها ، وهي كلمة تقدم على التوبة ، والمراد الاعتذار ، قال موسى عليه السّلام سبحانك تبت إليك ، وقال يونس عليه السّلام سبحانك انى كنت من الظالمين .
« لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا » : اشعارا بانّ سؤالهم ، لم يكن اعتراضا ، ولا قدرة لنا على ما هو خارج عن دائرة استعدادنا ، وانّما علمنا ، ما علَّمتناه ، « إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ » الذي لا يخفى عليه خافية « الْحَكِيمُ » : المحكم في مبتدعاته سئل أبو يوسف القاضي عن مسألة ، فقال لا ادرى ، فقالوا له ترتزق من بيت المال كل يوم كذا وكذا ، ثم تقول لا ادرى ، فقال انّما ارتزق بقدر علمي ، ولو أعطيت بقدر جهلي ، لم يسعني مال الدنيا وحكى انّ رجلا عالما ، سئل عن مسألة ، وهو فوق المنبر ، فقال لا ادرى ، فقيل له ليس المنبر موضع الجهّال ، فقال انّما علوت بقدر علمي ، ولو علوت بقدر جهلي لبلغت السماء .
[ سورة البقرة ( 2 ) : آية 33 ] قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ والأَرْضِ وأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ( 33 ) ثمّ خاطب اللَّه سبحانه ، فقال يا آدم ، اخبر الملائكة بأسمائهم ، يعنى أسمائهم الذي عرضهم عليهم ، وقد مضى بيانه ، « فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ » روى انّه رفع على منبر وأمران ينبئ الملائكة بالأسماء ، فلما أنبأهم بها وهم جلوس بين يديه وذكر منفعة كلشيء وخواصّه ، « قالَ » اللَّه تعالى : « أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ والأَرْضِ » ، والاستفهام للتقرير اى قد قلت لكم انّى اعلم ما غاب فيهما « وأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ » . وتظهرون من قولكم ، حيث قلتم ، أتجعل فيها من يفسد الآية .
« وما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ » : تسترون حيث زعمتم لن يخلق اللَّه خلقا أكرم عليه منّا ، وهو تعريض