وقال ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، انّه تعالى علَّمه ، جميع الصناعات وعمارة الأرضين ، والأطعمة ، والأدوية ، واستخراج المعادن ، وغرس الأشجار ، ومنافعها وجميع ما يتعلق بأمور الدين والدنيا ، وهذا القول ، هو الحديث المنقول عن الصادق عليه السّلام الذي ذكره العياشي وفي كيفيّة تعليم اللَّه ، آدم الأسماء ، فقيل علَّمه بان أودع قلبه معرفة الأسماء والمسمّيات ، وفتق لسانه بها ، وعرّفه خواص الأشياء وهوان الفرس يصلح لما ذا ، والحمار لما ذا ، فكان آدم يتكلَّم بتلك الأسماء ، ويعرف المعاني واللغات ، وكان ذلك معجزة له ، لكونه خارقا للعادة ، واختلف في كيفيّة العرض على الملائكة ، فقيل انما عرضها بان خلق معاني الأسماء التي علَّمها آدم ، حتى شاهدتها الملائكة ، وقيل صوّر في قلوبهم هذه الأشياء ، فصارت كانّهم شاهدوها ، وقيل عرض عليهم من كل جنس واحدا نموذجا يتعرّف منه أحوال البقية .
« فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ » : إظهارا لعجزهم ، وبيانا بأنّ آدم عليه السّلام أصلح لامارة الأرض ، وعمارتها ، إلى ما يهتدى الملائكة اليه وتبكيتا لهم عن إقامة ما علَّقوا به رجائهم ، من امر الخلافة ، فان التصرف والتدبير ، بغير وقوف على مراتب الاستعدادات ومقادير الحقوق ، بما لا يكاد يتحقّق ويمكن .
« إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ » : اى في زعمكم انكم أحقاء بالخلافة ممّن استخلفته ، فانّ أدنى مراتب الاستحقاق ، هو الوقوف على العلم بأسماء ما في الأرض ، وجواب الشرط محذوف لدلالة الكلام : اى ان كنتم صادقين فيما طننتم ، فأخبروا بهذه الأسماء ، وذلك لأنّه خطر ببالهم انّه لم يخلق اللَّه خلقا الَّا وهم اعلم منه ، وأفضل في سائر أنواع العلم ، فخوطبوا بهذا الخطاب ، فان قيل ، كيف أمرهم اللَّه وكلَّفهم بان يخبروا بما لا يعلمون ، فالجواب انّ الأمر مشروط بالعلم لا مطلقا ، كما يقول العالم للمتعلم ما تقول في كذا ، ويعلم انّه لا يحسن الجواب ، وليس غرضه الجواب بل غرضه ، ان ينبّهه على عدم علمه ، فإذا تنبه المتعلَّم ، على انّه لا يمكنه الجواب ، اجابه حينئذ ، فيكون جوابه بهذا الترتيب أوقع في قلبه وأثبت ، فالأمر بقوله أنبئوني ، للتنبيه لا للتكليف .
[ سورة البقرة ( 2 ) : آية 32 ] قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ( 32 )