نام کتاب : تفسير مجمع البيان نویسنده : الشيخ الطبرسي جلد : 1 صفحه : 136
وقوله " فأما الذين آمنوا " أي : صدقوا محمدا والقرآن ، وقبلوا الاسلام " فيعلمون أنه الحق من ربهم " مدحهم الله تعالى بأنهم تدبروا حتى علموا أنه من ربهم ، وأن المثل وقع في حقه " وأما الذين كفروا " بالقرآن " فيقولون " أي : فلاعراضهم عن طريق الاستدلال ، وإنكارهم الحق ، قالوا " ماذا أراد الله بهذا مثلا " أي : ماذا أراد الله بهذا المثل ؟ فحذف الألف واللام . وقوله ( يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا " فيه وجهان أحدهما : حكي عن الفراء أنه قال : إنه حكاية عمن قال ماذا أراد الله بهذا مثلا ، " يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا " ، أي : يضل به قوم ، ويهتدي به قوم . ثم قال الله تعالى " وما يضل به إلا الفاسقين " فبين تعالى أنه لا يضل إلا فاسقا ضالا ، وهذا وجه حسن . والآخر : إنه كلامه تعالى ابتداء وكلاهما محتمل ، وإذا كان محمولا على هذا فمعنى قوله " يضل به كثيرا " أن الكفار يكذبون به ، وينكرونه ، ويقولون ليس هو من عند الله ، فيضلون بسببه ، وإذا حصل الضلال بسببه أضيف إليه وقوله " ويهدي به كثيرا " يعني الذين آمنوا به وصدقوه . وقالوا هذا في موضعه ، فلما حصلت الهداية بسببه ، أضيف إليه . فمعنى الإضلال على هذا تشديد الامتحان الذي يكون عنده الضلال ، وذلك بأن ضرب [1] لهم الأمثال ، لأن المحنة إذا اشتدت على الممتحن ، فضل عندها ، سميت إضلالا . وإذا سهلت فاهتدى ، سميت هداية . فالمعنى : إن الله تعالى يمتحن بهذه الأمثال عباده ، فيضل بها قوم كثير ، ويهتدي بها قوم كثير ، ومثله قوله : ( رب إنهن أضللن كثيرا من الناس ) أي : ضلوا عندها . وهذا كما يقال للرجل إذا أدخل الفضة النار لينظر فسادها من صلاحها ، فظهر فسادها ، أفسدت فضتك ، وهو لم يفعل فيها الفساد ، وإنما يراد أن فسادها ظهر عند محنته . وقريب من ذلك قولهم : فلان أضل ناقته ، ولا يريدون أنه أراد أن يضل ، وإنما يريدون ضلت منه لا من غيره . وقولهم : أفسدت فلانة فلانا ، وأذهبت عقله ، وهي ربما لم تعرفه ، ولكن لما ذهب عقله ، وفسد من أجلها ، أضيف الفساد إليها . وقد يكون الإضلال بمعنى التخلية على جهة العقوبة ، وترك المنع بالقهر ، ومنع الألطاف التي يفعل بالمؤمنين ، جزاء على إيمانهم . وهذا كما يقال لمن لا يصلح سيفه : أفسدت سيفك ، أريد به أنك تحدث فيه الإصلاح في كل وقت بالصقل والاحداد . وقد يكون [2] الإضلال بمعنى التسمية بالضلال والحكم به ، كما يقال