وبالمطلق ، واللامتناهي ، وإذا كان ما ينفقه الناس من خير يوف إليهم ، فلا يبقى مورد للجزاء من قبل السائل الآخذ ، لأن الجزاء قد حصل ، وهو جزاء واف « يوف إليكم » ، فالمطالبة بجزاء آخر ، تكون مطالبة جزافية ، بل وظالمة أيضاً .
وكأنك قلت : « إنما نطعمكم لا نريد الجزاء » ، ثم قدمت الدليل القاطع على ذلك ، وهذا الدليل هو أن معرفتك بالله راسخة وعميقة ، وقد أصبحت أعمالك خالصة له . . ومن كان كذلك ، فلا يعقل أن يريد جزاء أو شكوراً من غيره تعالى . .
وهذا المستوى من إزالة الشوائب ، ودفع الأوهام ، يجعل العمل أكثر صفاء ، ويجعل العطاء طيباً . .
بل إن الأمر بالنسبة إلى الشكور أبين وأظهر ، إلى حد أنه قد يقال : إن الذي ينبغي أن يقدم الشكر هو المعطي ، لأن السائل قد هيأ له فرصة لنيل أعظم الكرامات ، وأسنى العطايا الإلهية ، وأفضلها . . فينبغي عليه أن يكافئه ، وأن يشكره . .
وقد ظهر بذلك : أنه ليس هناك موضوع للشكر ولا للجزاء ، لتتعلق به الإرادة . إلا على سبيل الطموح والطلب لأمر لا مبرر للطموح إليه ، ولا معنى لطلبه والسعي إليه ، لانتفاء الاستحقاق للجزاء ، وعدم وجود مورد للشكر . .
ومن جهة أخرى ، فإنه قد يدخل في وهم الناس : أن الناس في إطلاقهم للتعميمات لا يلتزمون جانب الدقة ، ولا يراعون الحدود ، بل يكتفون بالصدق العرفي ، ولا يلتفتون إلى الأفراد القليلة التي تخرج عن طريقة الأعم الأغلب ، بل يلحقونها بالعدم ، ويعتبرون أنها غير موجودة .